وأما أهل التأويل فإنهم قالوا بهذا القول: فرارًا من التشبيه والتمثيل، حيث زعموا -كعادتهم- أن حمل اللفظ على ظاهره وحقيقته يلزم منه التشبيه (١)، ولذلك أوجبوا صرفه عن ظاهره على حد زعمهم.
فأهل التأويل، وإن قالوا: بهذا القول، إلا أنهم لا يجعلونه هو ظاهر الحديث بل يجعلونه مجازًا فيه، فمنزعهم في هذا القول يختلف عن منزع القائلين به من أهل السنة.
قال النووي:"هذا الحديث من أحاديث الصفات، ويستحيل إرادة ظاهره"(٢).
وقال ابن حجر:"والحاصل أن الثواب راجح على العمل، بطريق الكم والكيف، ولفظ القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة، أو الاستعارة، أو إرادة لوازمها"(٣).
٢ - استدل أبو يعلى -رحمه الله- بأن الحديث جاء مفسرًا في بعض ألفاظه، حيث روي بلفظ:(من جاء يمشي أقبل الله إليه بالخير يهرول)(٤)، لكن إسناده ضعيف. ولكن جاء هذا الحديث عند ابن حبان من طريق أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ:(وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة، وإن هرول سعيت إليه، والله أوسع بالمغفرة)(٥).
(١) وقد وافقهم ابن قتيبة -رحمه الله- في كون الحديث إذا حمل على الصفة أفاد التمثيل، انظر: تأويل مختلف الحديث (٢٠٩). (٢) شرح صحيح مسلم (١٧/ ٦)، وانظر: (١٧/ ١٥). (٣) فتح الباري (١٣/ ٥١٤)، وانظر: (١٣/ ٥١٣). (٤) رواه أبو يعلى في إبطال التأويلات (٢/ ٤٤٣)، وانظر: (١/ ٢٣١) (٢/ ٢٩٠)، وسنده ضعيف، لأن فيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني -أبو يعقوب المدني- قال عنه النسائي في الضعفاء والمتروكون (٥٤): "ليس بثقة"، وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن عدي: ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه. [انظر: تهذيب التهذيب (١/ ٢٠١)]، وقال ابن حجر في التقريب: (١/ ٧٩): "ضعيف". (٥) صحيح ابن حبان (٢/ ١٠٠) ح (٣٧٦)، وحكم عليه المحقق -شعيب الأرناؤوط- بالصحة.