أما موضوع الكتاب فلا يخفى أنه كتاب مختصر في المسائل الفقهية، إلا أنه من المفيد إلقاء الضوء على أهم التطورات التي مرت بالكتاب إلى أن استوى على سوقه، فنقول: لما ألَّف ابن عبد الحكم كتابه المختصر الصغير؛ كان مقتصرًا على مذهب شيخه الإمام مالك بن أنس ﵀ على ما في الموطأ، وهذا أمرٌ معروف ومشهور، ويوضح ذلك كلام القاضي عياض ﵀ حيث قال:" … والمختصر الكبير يقال إنه نحا به اختصار كتب أشهب، والمختصر الأوسط والمختصر الأصغر، فالمختصر الأصغر؛ قصره على علم الموطأ. والمختصر الأوسط، صنفان … "(١) إلخ.
فهذا واضح من كلام القاضي ﵀، ويوضحه أكثر قول الطحاوي ﵀ إذ قال:"وقد دخل مالك بن أنس في هذا المعنى، فذكر عنه عبد الله ابن عبد الحكم في مختصره الصغير الذي ألفه على قوله، وكتبناه عمن حدثناه عنه قال: وإذا أسلم النصراني … "(٢).
ثم تلقى هذا المختصر بعد ذلك؛ تلاميذه -وعلى رأسهم أبناؤه- فتدارسوه وتداولوه فيما بينهم إلى أن ذاع صيته في الآفاق واشتهر بين القريب والبعيد.
قال ابن عبد البر: ثم روى -أي ابنُ عبد الحكم- عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيرًا مِنْ رأي مالك الذى سمعوه منه، وصنف كتابًا اختصر فيه تلك الأسمعة بألفاظ مُقَرَّبة، ثم اختصر من ذلك الكتاب كتابًا
(١) انظر: ترتيب المدارك ١/ ٣٠٥، جمهرة تراجم فقهاء المالكية ٢/ ٧٢٠ - ٧٢١. (٢) انظر: شرح مشكل الآثار ١١/ ٤٤٦.