ومنها حديث دعاء النبي ﷺ لأمته فدعا لها في ثلاث فأجيب في اثنتين ومنع الثالثة وفيه:"يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد"(١).
فهذا نص واضح جلي بأن الإجابة مقيدة بعدم سبق القضاء.
وحاصل هذا الوجه أن يقال: إن ما تدل عليه الآيتان من إجابة الله للدعاء من باب الوعد والوعيد، وقد قرر العلماء أن نصوص الوعد والوعيد المطلقة مقيدة بوجود المقتضي وعدم المانع المنافي.
فعلى هذا إن الإجابة إنما تحصل إذا استوفت الشروط المقتضية لها وانعدمت الموانع.
قال الحليمي: إن معنى قوله جل ثناؤه ادعوني أستجب لكم أي بحسب نظري لكم ورحمتي لكم لا بحسب أهوائكم وأمانيكم صحت أو فسدت لأن هذه الآية غير مفردة في القرآن عن أخرى لكن بينتها آيات أخرى منها قوله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [المؤمنون: ٧١].
فدل هذا على أن الله تعالى إنما يستجيب الدعاء المستجمع شرائطه إذا علم للداعي فيما سأل خيراً، فأما إذا علم أن له فساداً أو شراً فإنه لا ستجيب له دعاءه إكراماً وثواباً له بدعائه (٢).
فعلى هذا القول إن الدعاء مع استيفائه لآدابه وشروطه قد لا يستجاب إذا لم يكن في مصلحة الداعي.
(١) أخرجه مسلم من حديث ثوبان: ٤/ ٢٢١٥ رقم ٢٨٨٩، وأحمد: ٥/ ٢٨٤، ٢٧٨، ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رقم ٢٨٩٠، وأخرجه أحمد من حديث شداد بن أوس: ٤/ ١٢٣، والطبري: ٧/ ٢٢٣ وقال ابن كثير في حديث شداد إسناد جيد قوي تفسير ابن كثير: ٢/ ١٤١". (٢) المنهاج للحليمي: ١/ ٥٤١ - ٥٤٢.