• أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: أنا أبو نعيم الحافظ، قال: سمعت أبا الفرج الورثاني، يقول: سمعت عليَّ بن عبدِ الرحيمِ يقول: دخلتُ على النُّوريِّ ذات يوم فرأَيْتُ رجليهِ مُنْتَفِخَتَيْنِ، فسأَلتُه عن أمرِه، فقال: طالَبَتْني نفسي بأَكلِ التمر، فجعلتُ أَدافِعُها، فتأْبى عليَّ، فخرجتُ، فاشتريتُ، فلمَّا أن أَكلتُ؛ قلت لها: قومي، حتى تصلِّي. فأَبَتْ عليَّ، فقلتُ للهِ عليَّ إِنْ قعدتُ إِلى الأرضِ أربعينَ يومًا إلا في التشهُّدِ، فما قعدتُ (١)!
قال المصنِّفُ: قلت: مَن يسمع هذا مِن الجهَّالِ يقولُ: ما أَحسنَ هذه المجاهَدَةَ! ولا يَدْري أَنَّ هذه الفعال لا تَحِلُّ؛ لأنَهُ حملٌ على النفسِ ما لا يجوزُ، ومنعُها حَقَّها مِن الراحةِ.
• وقد حكى أَبو حامدٍ الغَزَاليُّ في كتاب الإحياء قال: كانَ بعضُ الشيوخِ في بدايةِ إِرادتِه يكسَلُ عن القيامِ، فألزَمَ نفسَهَ القيامَ على رأسِهِ طولَ الليلِ؛ لتَسْمَحَ بالقيامِ عن طوعٍ!
قالَ: وعالَجَ بعضُهُم حُبَّ المالِ بأَنْ باعَ جميعَ ما لَهُ، ورماهُ في البحرِ؛ إذ خافَ مِن تفرِقتِهِ على الناسِ رعونَةَ الجودِ، ورياءَ البَذْلِ.
قال: وكانَ بعضُهُم يستأْجِرُ مَن يشتُمُهُ على ملأِ مِن الناسِ لِيُعَوِّدَ نفسَهُ الحِلْمَ! قالَ: وكانَ آخَرُ يركبُ البحرَ في الشتاءِ عندَ اضْطِرابِ الموجِ؛ ليصيرَ شُجاعًا (٢).
قالَ المصنِّف ﵀: أعجَبُ مِن جميعِ هؤلاءِ عندي أبو حامدٍ؛ كيفَ حكى هذهَ الأشياءَ ولمْ يُنْكِرْها؟! وكيفَ يُنْكِرُها وقد أتى بها في مَعْرِضِ التعليمِ للمُريدين؟!
(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية ١٠/ ٢٥١ وأبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٥/ ١٣٢. (٢) انظر: الإحياء ٣/ ٦٢.