فيهم أبعد، والآدميون يحبون الرياسة على جنسهم فيوقع ذلك شكًا.
[وجواب هذا من ثلاث أوجه]
° أحدها: أن في قوى الملائكة قلب الجبال والصخور، فلا يمكن إظهار معجزة تدل على صدقهم؛ لأن المعجزة ما خرقت العادات، وهذه عادة الملائكة، وإنما المعجزة الظاهرة على يدي بشر ضعيف تكون دليلًا.
° والثاني: أن الجنس إلى الجنس أميل، فصلح أن يرسل إليهم من جنسهم؛ لئلا ينفروا، وليعقلوا عنه، ثم تخصيص ذلك الجنس بما عجز عنه جنسه دليل على صدقه.
° والثالث: أنه ليس في قرى البشر رؤية الملك، وإنما الله تعالى يقوي الأنبياء بما يرزقهم من إدراك الملائكة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ [الأنعام: ٩]، أي: لينظروا إليه ويأنسوا به ويفهموا عنه، ثم قال: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩]، أي: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا، فلا يدرون أملك هو أم آدمي!
الشبهة الثالثة (١): قالوا: نرى ما يدعيه الأنبياء من علم الغيب والمعجزات وما يلقى إليهم من الوحي يظهر جنسه على الكهنة والسحرة، فلم يبق لنا دليل نفرق بين الصحيح والفاسد.
= بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥]. انظر الوجه الثاني من جواب المصنّف ﵀ عن هذه الشُّبهة. (١) انظر: الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص ١٢٢)، غاية المرام للآمدي (ص ٣٢٢)، محصل الأفكار للرازي (ص ٢٠٢)، التمهيد لقواعد التوحيد للامشي (ص ٨٨، ٨٩)، شرح المقاصد للتفتازاني (٥/ ٩، ١٤ - ١٥).