ولقد ظهر في زماننا هذا من القُصَّاص ما لا يدخل في التلبيس؛ لأنه أمر صريح: من جعلهم القصص معاشًا يستميحون به الأمراء والظلمة، والأخذ من أصحاب المكوس، والتكسب به في البلدان (١)، وفيهم من يحضر المقابر فيذكر البلى وفراق الأحبة؛ فتبكي النسوة، ولا يحث على الصبر.
[فصل]
وقد يلبس إبليس على الواعظ المحقق فيقول له: مثلك لا يَعِظُ، وإنما يَعِظُ متيقظٌ، فيحمله على السكوت والانقطاع، وذلك من دسائس إبليس؛ لأنه يقصد منع الخير. وقد يقول له: إنك تلتذ بما تورده وتجد لذلك راحة، وربما دخل الرياء في قولك، وطريق الوحدة أسلم. ومقصوده بذلك سد باب الخير.
أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: نا أبي، قال: نا عتاب بن زياد، قال: حدثنا عبد الله، قال: أخبرنا سلام بن أبي مطيع، عن ثابت، قال: كان الحسن في مجلس فقيل للعلاء: تكلم! فقال: أوهناك أنا؟ ثم ذكر الكلام ومؤونته وتبعته. قال ثابت: فأعجبني. قال: ثم تكلم الحسن فقال: وأنا (٢) هناك؟ لود الشيطان أنكم أخذتموها عنه، فلم يأمر أحد بخير ولم يَنْهَ عن شر (٣).
[ذكر تلبيسه على أهل اللغة والأدب]
قد لبَّس على جمهورهم؛ فشغلهم بعلوم النحو واللغة عن المهمات اللازمة التي هي فرض عين، من معرفة ما يلزمهم عرفانه من العبادات، ومما هو أولى بهم، من
(١) انظر: كتاب القصّاص والمذكرين (ص ٢٩٨ - ٣٥١ - ٣٣٦). (٢) في "ك" و"ت" والزهد لأحمد: (أيْنا). (٣) أخرجه أحمد في "الزهد" (ص ٣٠٠، ٣٠١).