أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: نا محمد بن أبي الفوارس، قال: نا أحمد بن جعفر بن سلم، قال: نا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر المروذي، قال: ذكرت لأبي عبد الله رجلًا من المحدثين، فقال ﵀: أي رجل كان لولا خلة واحدة! ثم سكت، ثم قال: ليس كل الخلال يكملها الرجل. فقلت له: أليس كان صاحب سنة؟ قال: لعمري! لقد كتبت عنه، ولكن خلة واحدة: كان لا يبالي ممن أخذ (١).
قال المصنف: وقد بلغنا أن بعض الصوفية دخل على بعض الأمراء الظلمة (٢)، فوعظه فأعطاه شيئًا فقبله، فقال الأمير: كلنا صيَّاد وإنما الشِّباك تختلف (٣)!
ثم أين هؤلاء من الأنفة من الذل للدنيا، فإن النبي ﷺ قال:"اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى"(٤)، واليد العليا هي المعطية، هكذا فسره العلماء (٥)، وهو الحقيقة، وقد تأوَّله بعض القوم فقال: العليا هي الآخذة (٦). قال ابن قتيبة (٧): ولا أرى هذا إلا إلا تأويل قومٍ استطابوا السؤال، وهم يحتجون للدناءة.
(١) قوت القلوب (٢/ ٤٥٥) لأبي طالب المكي. (٢) هو الأمير بجكم التركي الماكاني كما جاء مُسمَّى في نشوار المحاضرة (٢/ ٣٥٩) والمنتظم (١٤/ ١٢)، وهو أمير الجيش في الدولة العباسية أيام الخليفة الراضي، قتل سنة ٣٢٩ هـ (المنتظم ١٤/ ٩ - ١٤). (٣) القصة رواها أبو القاسم التنوخي في نشوار المحاضرة (٢/ ٣٥٩)، وعنه أخرجها ابن الجوزي في المنتظم (١٤/ ١٢ - ١٣)، وانظر تحرير المقال فيما يحل ويحرم من بيت المال، للبلاطنسي (ص ٢٨١). (٤) أخرجه البخاري (١١/ ٢٥٨ رقم ٦٤٤١)، ومسلم (٢/ ٧١٧ رقم ١٠٣٥)، والترمذي (٤/ ٥٥٣ رقم ٢٤٦٣) وقال: صحيح. والنسائي (٥/ ٦٠). (٥) وقد وقع تفسير اليد العليا، واليد السفلى في بعض الروايات، وهو نصٌّ يرفع الخلاف، ويدفع تعسّف من تعسّف في تأويله. كما قال القرطبي. انظر: فتح الباري لابن حجر (٣/ ٢٩٦ - ٢٩٨)، تهذيب الآثار للطبري (مسند عمر ١/ ٣٧ - ٤٩). وقال ابن القيم: (وتفسير من فسَّر اليد العليا بالآخذة، باطل من وجوه .. ) تهذيب سنن أبي داود (٢/ ٢٤٣)، وانظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٢/ ٥٤١ - ٥٤٢). (٦) ذكر هذا التأويل ونصره أبو طالب المكّي في "قوت القلوب" (٢/ ٣٨٨ - ٣٨٩)، ولا يخفى ما في هذا التأويل من تكلّف، ودعوة إلى تكريس السؤال، والركون إلى البطالة، وترك الكسب! (٧) ذكره الحافظ بنصه في الفتح (٣/ ٢٩٨)، وعزاه لابن قتيبة في غريب الحديث. ولم أهتد إليه فيه بعد البحث الشديد.