أقول: وجه وضعها بعد الطور: أنها شديدة المناسبة لها؛ فإن الطور خُتمت بقوله:{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}"الطور: ٤٩"، وافتتحت هذه بقوله:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}"١".
ووجه آخر:[وهو] ٢ أن الطور ذكر فيها ذرية المؤمنين، وأنهم تبع لآبائهم٣، وهذه فيها ذكر ذرية اليهود٤ في قوله:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}"٣٢" الآية، فقد أخرج ابن أبي حاتم، وبن المنذر، والواحدي بأسانيدهم عن ثابت بن الحارث الأنصاري، قال: كانت اليهود تقول: إذا هلك صبي صغير هو: صديق، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: $"كذبت يهود، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد"، وأنزل الله عند ذلك {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية] ٥.
ولما قال هناك في المؤمنين:{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}"الطور: ٢١" أي: ما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين، مع نفعهم بما عمل آباؤهم، قال هنا في صفة الكفار أو بني الكفار:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}"٣٩" خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار.
وهذا وجه بيِّن بديع في المناسبة، من وادي التضاد.
١ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ". ٣ وذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} "الطور: ٢١". ٤ بل فيها ذكر لذرية كل كافر حين استخرج الله ذرية آدم من صلبه وقسمهم فريقين: فريقًا للجنة، وفريقًا للسعير. انظر "تفسير ابن كثير ٧/ ٤٣٧". ٥ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ"، وانظر: الدر المنثور للسيوطي "٦/ ١٢٨"، وزاد السيوطي بقوله: "وأخرجه الطبراني"، وانظر أيضًا: أسباب النزول للسيوطي، وفيه هذا النص "٢٥٨"، وكذا أسباب النزول للنيسابوري "٢٢٦" وذكره.