والمقصود: أن وجود القرآن في المصحف ليس كوجود الأعيان المشاهدة، وإن كان له وجود حقيقي، فقد اتفق المسلمون على أن القرآن في المصحف قال ابن القيم:((من المعلوم بالفطرة المستقرة عند العقلاء قاطبة أن الكلام يكتب في المحالِّ من الرق والخشب وغيرهما، ويسمى محله كتاباً، ويسمى نفس المكتوب كتاباً.
والقول بأن الكلام في الصحيفة من العلم العام الذي لم ينازع فيه أحد من العقلاء إذا سلمت الفطرة من الانحراف، وقد قال الله تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {٢١} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} (١) وفي حديث ابن عمر: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (٢) ، ومعلوم بالضرورة أنه لا محذور في السفر إلى أرض العدو بالمداد والورق، وإنما المحذور أن يسافر بالكلام الذي تضمنه الورق)) (٣) . وسيأتي مزيد لهذا في موضعه.
وقد أطلت النقل عن البخاري - رحمه الله -؛ لأن ذلك مراد فيما ترجم به، فهو كالشرح له، وبذلك وضح مقصده وضوحاً جلياً.
فقوله:((ذكر الله بالأمر)) أي: أمره الذي يأمر به عباده، وهو صفته، فإذا أمرهم فقد ذكرهم، وكذلك إذا رحمهم وأنعم عليهم، فقد ذكرهم.
((وذكر العباد بالدعاء والتضرع، والرسالة والبلاغ)) أي: ذكرهم الله بأن
(١) الآيتان ٢١، ٢٢ من سورة البروج. (٢) رواه مسلم رقم (١٨٦٩) (٣/١٤٩٠-١٤٩١) ، والإمام أحمد في ((المسند)) (٢/٧، ٦٣، ١٢٨) وغيرهما، ورواه البخاري (٤/٤٥) باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو. (٣) ((مختصر الصواعق)) (٤٤٣/٤٤٤) ملخصاً.