فالأولى: هي المذكورة في مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}(٣) .
والثانية: هي المذكورة في مثل قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}(٤) ، فهذه خاصة بأنبيائه وأوليائه، وعباده المؤمنين، فهو -تعالى- معهم دون أعدائهم، ومعهم بسمعه ورؤيته، ونصره وتأييده، كما أنه -تعالى- معهم بإحاطته وقبضته.
والمعية لا تدل على المخالطة، والممازجة، وإنما تدل على المصاحبة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل" (٥) .
فهو - سبحانه - مع المسافر في سفره، ومع أهله في وطنه، وهو فوق عرشه، وكل ذلك على ظاهره، غير محتاج إلى تأويل، ولا يلزم منه أن تكون ذاته مختلطة بذوات خلقه -تعالى الله وتقدس عن ذلك -؛ وذلك لأن المفهوم من المعية في اللغة العربية: المصاحبة والمقارنة، حكمها حسب مورد الخطاب، فقوله -تعالى-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}(٦) أي: على الإيمان، لا أن ذواتهم حالة في ذاته، بل هم مصاحبون له ومتبعون له على الإيمان، وقوله:{فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} يدل على موافقتهم في الإيمان، وموالاتهم.
(١) الآية ١٢٨ من سورة النحل. (٢) "مجموع الفتاوى" (٥/١٠٢-١٠٤) . (٣) الآية ٤ من سورة الحديد. (٤) الآية ٤٦ من سورة طه. (٥) رواه مسلم في "الصحيح" (٢/٩٧٨) الحديث رقم (١٣٤٢) ورواه غيره. (٦) الآية ٢٩ من سورة الفتح.