قوله:((لا يمسه)) لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن، ولا يحمله بحقه إلا الموقن؛ لقوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(١)
يعني: أن الطهارة المذكورة في قوله - تعالى - {لاَّ يَمَسُهُ إِلا المُطَهَّرُونَ} هي الطهارة من الشرك، والكفر، والغفلة والإعراض، ويتبع ذلك الذنوب.
قال الفراء:((ويقال: لا يمسه: لا يجد طعمه ونفعه إلا المطهرون، من آمن به)) (٢) .
((وهذا من باب الاعتبار والقياس؛ لأنه إذا كان ورق المصحف لا يمسسه إلا المطهرون، فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة.
ومثل هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب)) فإذا كان الملك لا يدخل البيت الذي فيه كلب، فكذلك المعاني التي تحبها الملائكة لا تدخل القلب الذي فيه أخلاق الكلاب)) (٣) .
قال الحافظ:((حاصل هذا التفسير، أن معنى: لا يمس القرآن: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، وأيقن بأنه من عند الله، فهو المطهر من الكفر، ولا يحمله بحقه إلا المطهر من الجهل والشك، لا الغافل عنه الذي لا يعمل [به] فيكون كالحمار الذي يحمل ما لا يدريه)) (٤) .
((وعلى القول بأن المراد بقوله تعالى:{لاَّ يَمَسُهُ إِلا المُطَهَّرُونَ}
(١) الآية ٥ من سورة الجمعة. (٢) ((معاني القرآن)) (٣/١٣٠) . (٣) ((مجموع الفتاوى)) (٥/٥٥١-٥٥٢) بتصرف. (٤) ((الفتح)) (١٣/٥٠٩) .