والجواب عما استدلوا به: أن الرؤية ثبتت في آيات أخر، كقوله-تعالى-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {٢٢} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (١) ، وقوله:{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}(٢) ، والأخبار بذلك ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل متواترة، كما سيأتي، إن شاء الله -تعالى-.
فيتعين أن المراد بالإدراك المنفي في الآية هو الإحاطة، وبذلك فسره ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من السلف.
قوله:"ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: "ولا يعلم الغيب إلا الله" الضمير في قوله: "إنه يعلم" يعود على محمد -صلى الله عليه وسلم - أي: من زعم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب، فقد كذب، لأن علم الغيب يختص بالله -تعالى-، كما قال -تعالى- مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم - وأمراً له أن يقول:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}(٣) ، والآيات في هذا كثيرة.
وعلم الغيب من خصائص الرب -تعالى- التي بعث رسله وأنزله كتبه لبيانها، ونفي ذلك عمن سواه -تعالى-.
وأما قول -تعالى-: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {٢٦} إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) (٤) ، فهي كقوله -تعالى-: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}(٥) ، فهي تبين أن الله -تعالى يطلع من يشاء من رسله على ما يشاء من المغيبات، وذلك بوحيه إليهم، مثل إخباره عما جرى من الأمم الماضية، وما أصيبوا به من
(١) الآية ٢٢-٢٣من سورة القيامة. (٢) الآية ١٥ من سورة المطففين. (٣) الآية ٥٠ من سورة الأنعام. (٤) الآيتان ٢٦-٢٧ من سورة الجن. (٥) الآية ٢٥٥ من سورة البقرة.