قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، سمعت علي بن أبي طالب [﵁](١) يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبا أحمر تخالطه مَدَرَة حمراء ذا أرَاكٍ وسدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. والله إنك لتنعته نعتَ رجل قد رآه. قال: لا ولكني قد حدِّثتُ عنه. فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبرُ هود، ﵇.
رواه ابن جرير (٢) وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن، وأن هودا، ﵇، دفن هناك، وقد كان من أشرف (٣) قومه نسبا؛ لأن الرسل [صلوات الله عليهم](٤) إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شُدّد خلقهم شُدِّد على قلوبهم، وكانوا من أشد الأمم تكذيبا للحق؛ ولهذا دعاهم هود، ﵇، إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه.
(قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) -والملأ هم: الجمهور والسادة والقادة منهم -: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) أي: في ضلالة حيث دعوتنا إلى ترك عبادة الأصنام، والإقبال إلى عبادة الله وحده [لا شريك له](٥) كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد (فقالوا) ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ](٦)﴾ [ص: ٥].
(قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي: لست كما تزعمون، بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء، فهو رب كل شيء ومليكه
(أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغة والنصح والأمانة.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) أي: لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه، بل احمدوا الله على ذاكم، (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) أي: واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم من ذرية نوح، الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته، لما خالفوه وكذبوه، (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) أي: زاد طولكم على الناس بسطة، أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم، كما قال تعالى: في قصة طالوت: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧](فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ) أي: نعمه ومنَنه عليكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[وآلاء جمع ألى وقيل: إلى](٧)
(١) زيادة من أ. (٢) تفسير الطبري (١٢/ ٥٠٧). (٣) في م، ك: "أشراف". (٤) زيادة من أ. (٥) زيادة من ك. (٦) زيادة من ك، م. وفي هـ: "الآية" (٧) زيادة من ك، م.