يقول تعالى مخبرا عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود،﵇:(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ [وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ])(١) كما قال الكفار من قريش: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره: أنهم كانوا يعبدون أصناما، فصنم يقال له: صُدَاء، وآخر يقال له: صمُود، وآخر يقال له: الهباء (٢)
ولهذا قال هود،﵇:(قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) أي: قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس [وغضب](٣) قيل: هو مقلوب من رجز. وعن ابن عباس: معناه السخَط والغضب.
(أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ) أي: أتحاجوني (٤) في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة، وهي لا تضر ولا تنفع، ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلا؛ ولهذا قال:(مَا نزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)
وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه؛ ولهذا عقب بقوله:(فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ)
وقد ذكر الله، سبحانه، صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن، بأنه أرسل عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦ - ٨] لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية، فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أمّ رأسه فتثلغُ رأسه حتى تُبينه من جثته؛ ولهذا قال: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾
وقال محمد بن إسحاق: كانوا يسكنون باليمن من (٥) عمان وحضرموت، وكانوا مع ذلك قد
(١) زيادة من ك، م، وفي هـ: الآية". (٢) انظر: تفسير الطبري (١٢/ ٥٠٧). (٣) زيادة من م. (٤) في م، د: "أتجادلونني". (٥) في م، ك: "بين".