له، فقال:(يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي: من عذاب يوم القيامة إنْ (١) لقيتم الله وأنتم مشركون به (قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ) أي: الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي: في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا. وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين: ٣٢]، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١] إلى غير ذلك من الآيات.
(قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي: ما أنا ضال، ولكن أنا رسول (٢) من رب كل شيء ومليكه، (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وهذا شأن الرسول، أن يكون بليغا فصيحا ناصحا بالله، لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات، كما جاء في صحيح مسلم: أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه يوم عرفة، وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا:"أيها الناس، إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكتُها عليهم ويقول:"اللهم اشهد، اللهم اشهد"(٣)(٤)
يقول تعالى إخبارًا عن نوح [﵇](٥) أنه قال لقومه: (أَوَعَجِبْتُمْ [أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ])(٦) أي لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجَب أن يوحي الله إلى رجل منكم، رحمة بكم ولطفا وإحسانا إليكم، لإنذركم ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به، (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
قال الله تعالى:(فَكَذَّبُوهُ) أي: فتمادوا (٧) على تكذيبه ومخالفته، وما آمن معه منهم إلا قليل، كما نص عليه تعالى في موضع آخر، (فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) وهي السفينة، كما قال: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾ [العنكبوت: ١٥](وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) كما قال: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ [نوح: ٢٥]
وقوله:(إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ) أي: عن الحق، لا يبصرونه ولا يهتدون له.
فبين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه، وأنجى رسوله والمؤمنين، وأهلك أعداءهم
(١) في د: "إذا". (٢) في أ: "ولكني رسول". (٣) جاءت "اللهم اشهد" في "أ" ثلاث مرات. (٤) صحيح مسلم برقم (١٢١٨) من حديث جابر، ﵁. (٥) زيادة من أ. (٦) زيادة من ك، م، أ، وفي هـ: "الآية". (٧) في د: "تمادوا".