يضلونهم، قال: فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن، فيقول هذا لهذا: أضلله بكذا، أضلله (١) بكذا. فهو قوله:(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)
وعلى كل حال فالصحيح ما تقدم من (٢) حديث أبي ذر: إن للإنس شياطين منهم، وشيطان كل شيء ما رده، ولهذا جاء في صحيح مسلم، عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال:"الكلب الأسود شيطان"(٣) ومعناه -والله أعلم -: شيطان في الكلاب.
وقال ابن جُرَيْج: قال مجاهد في تفسير هذه الآية: كفار الجن شياطين، يوحون إلى شياطين الإنس، كفار الإنس، زخرف القول غرورا.
وروى ابن أبي حاتم، عن عِكْرِمة قال: قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني حتى كاد (٤) يتعاهد مبيتي بالليل، قال: فقال لي: اخرج إلى الناس فحدث الناس. قال: فخرجت، فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي؟ فقلت: الوحي وحيان، قال الله تعالى: ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ (٥)[يوسف: ٣]، وقال [الله](٦) تعالى: (شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) قال: فهموا بي أن يأخذوني، فقلت: ما لكم ذاك، إني مفتيكم وضيفكم. فتركوني.
وإنما عَرَضَ عِكْرِمة بالمختار -وهو ابن أبي عبيد -قبحه الله، وكان يزعم أنه يأتيه الوحي، وقد كانت أخته صفية تحت عبد الله بن عمر وكانت من الصالحات، ولما أخبر عبد الله بن عمر أن المختار يزعم أنه يوحى إليه قال: صدق، [قال](٧) الله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]، وقوله تعالى:(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) أي: يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف، وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره.
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) أي: وذلك كله بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكل نَبيّ عدوّ من هؤلاء.
(فَذَرْهُمْ) أي: فدعهم، (وَمَا يَفْتَرُونَ) أي: يكذبون، أي: دع أذاهم وتوكل على الله في عداوتهم، فإن الله كافيك وناصرك عليهم.
وقوله تعالى:(وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ) أي: ولتميل إليه -قاله ابن عباس - (أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ) أي: قلوبهم وعقولهم وأسماعهم.
وقال السُّدِّي: قلوب الكافرين، (وَلِيَرْضَوْهُ) أي: يحبوه ويريدوه. وإنما يستجيب لذلك من لا يؤمن بالآخرة، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ١٦١ - ١٦٣]، وقال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٨، ٩].
(١) في م: "وأضلله". (٢) في أ: "في". (٣) صحيح مسلم برقم (٥١٠). (٤) في أ: "كان". (٥) في أ: "إنا" وهو خطأ. (٦) زيادة من م، أ. (٧) زيادة من م.