يقول [الله](١) تعالى لنبيه محمد ﷺ: قل لهؤلاء المشركين بالله الذين يعبدون غيره: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا) أي: بيني وبينكم، (وَهُوَ الَّذِي أَنزلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا) أي: مبينا، (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) أي: من اليهود والنصارى، (يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ)، أي: بما عندهم من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) كقوله ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [يونس: ٩٤]، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي وقوعه؛ ولهذا جاء عن رسول الله ﷺ أنه قال:"لا أشك ولا أسأل".
وقوله:(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا) قال قتادة: صدقا فيما قال (٢) وعدلا فيما حكم.
يقول: صدقا في الأخبار وعدلا في الطلب، فكل ما أخبر به فحق (٣) لا مرية فيه ولا شك، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل، فإنه لا ينهى إلا عن مَفْسَدة، كما قال: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ]﴾ (٤) إلى آخر الآية [الأعراف: ١٥٧].
(لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) أي: ليس أحد يُعقِّبُ حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة، (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوال عباده، (الْعَلِيمُ) بحركاتهم وسكناتهم، الذي يجازي كل عامل بعمله.
يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ﴾ [الصافات: ٧١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣]، وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) فإن الخرص هو الحزر، ومنه خرص النخل، وهو حَزْرُ ما عليها من التمر وكذلك كله قدر الله ومشيئته، و (هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) فييسره لذلك (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فييسرهم لذلك، وكل ميسر لما خلق له.
(١) زيادة من م. (٢) في م، أ: "وعد". (٣) في أ: "ما أخبر به فهو حق". (٤) زيادة من، م، أ.