فلما تلاقينا ودارت بنا الرحا … وليس لأمر حمه الله مدفع
ضربناهم حتى تركنا سراتهم … كأنهم بالقاع خشب مصرع
لدن غدوة حتى استفقنا عشية … كأن ذكانا حر نار تلفع
وراحوا سراعا موجعين كأنهم … جهام هراقت ماءه الريح مقلع (١)
ورحنا وأخرانا بطاء كأننا … أسود على لحم ببشة ضلع (٢)
فنلنا ونال القوم منا وربما … فعلنا، ولكن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهم … وقد جعلوا، كل من الشر يشبع
ونحن أناس لا نرى القتل سبة … على كل من يحمي الذمار ويمنع
جلاد على ريب الحوادث لا نرى … على هالك عينا لنا الدهر تدمع (٣)
بنو الحرب لا نعيا بشئ نقوله … ولا نحن مما جرت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش … ولا نحن من أظفارنا نتوجع (٤)
وكنا شهابا يتقي الناس حرة … ويفرج عنه من يليه ويسفع
فخرت علي ابن الزبعري وقد سرى … لكم طلب من آخر الليل متبع
فسل عنك في عليا معد وغيرها … من الناس من أخزى مقاما وأشنع
ومن هو لم يترك له الحرب مفخرا … ومن خده يوم الكريهة أضرع
شددنا بحول الله والنصر شدة … عليكم وأطراف الأسنة شرع
تكر القنا فيكم كأن فروعها … عزالى مزاد ماؤها يتهزع (٥)
عمدنا إلى أهل اللواء ومن يطر … بذكر اللواء فهو في الحمد أسرع
فحانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا … أبى الله إلا أمره وهو أصنع
قال ابن إسحاق:: وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أحد وهو يومئذ مشرك بعد:
يا غراب البين أسمعت فقل … إنما تنطق شيئا قد فعل
إن للخير وللشر مدى … وكلا ذلك وجه وقبل
والعطيات خساس بينهم … وسواء قبر مثر ومقل
(١) الجهام: السحاب الرقيق الذي ليس فيه ماء.
(٢) في ابن هشام: ظلع بدل ضلع، وبيشة: موضع كثير الأسود.
(٣) جلاد: جمع جليد، وهو الصبور.
(٤) في ابن هشام: أظفارها.
(٥) فروعها في الأصل وهو تحريف والصواب في ابن هشام: فروغها بالغين وهي الطعنات المتسعة. عزالى: جمع عزلاء وهي فم المزادة.