الدَّارَقُطْنِىُّ (١). فدَلَّ على أنَّ المَضْمُونَ عنه بَرِئَ بالضَّمانِ. ورَوَى الإِمامُ أحمدُ في "المُسْنَدِ"(٢)، عن جَابِرٍ، قال: تُوُفِّىَ صَاحِبٌ لنا، فأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيُصَلِّىَ عليه، فخَطَا خُطْوَةً، ثم قال:"أعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قُلْنا: دِينَارَانِ. فانْصَرَفَ، فتَحَمَّلَهُما أبو قَتادَةَ. فقال: الدِّينارَانِ عَلَىَّ. فقال رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَجَبَ حَقُّ الْغَرِيمِ، وبَرِئَ المَيِّتُ مِنْهُما؟ " قال: نعم. فصَلَّى عليه، ثم قال بعد ذلك: ما فعل الدِّينَارَانِ؟ قال: إنما مَاتَ أَمْس. قال: فعَادَ إليه من الغَدِ، فقال: قد قَضَيْتُهُما. فقال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْآنَ بَرَّدْتَ جِلْدَهُ"(٣). وهذا صَرِيحٌ في بَرَاءَةِ المَضْمُونِ عنه لقوله:"وبَرِئَ المَيِّتُ مِنْهُمَا". ولأنَّه دَيْنٌ واحِدٌ، فإذا صَارَ في ذِمَّةٍ ثَانِيَةٍ بَرِئَتِ الأُولَى منه، كالمُحَالِ به؛ وذلك لأنَّ (٤) الواحِدَ لا يَحِلُّ في مَحَلَّيْنِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِه حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ"(٥). وقولُه في خَبَرِ أبى قَتادَةَ:"الْآنَ بَرَّدْتَ جِلْدَهُ". حين أخْبَرَهُ أنَّه قَضَى دَيْنَهُ، ولأنَّها وَثِيقَةٌ، فلا تَنْقُلُ الحَقَّ، كالشَّهادَةِ. وأمَّا صَلاةُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على المَضْمُونِ عنه، فلأنَّه بالضَّمَانِ صَارَ له وَفَاءٌ، وإنَّما كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمْتَنِعُ من الصلاةِ على مَدِينٍ لم يَخْلُفْ وَفَاءً. وأمَّا قولُه لِعَلِىٍّ:"فَكَّ اللهُ رِهَانَكَ، كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أخِيكَ". فإنَّه كان بحَالٍ لا يُصَلِّى عليه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلمَّا ضَمِنَهُ فَكَّه مِن ذلك، أو ممَّا في مَعْناه. وقولُه:"بَرِئَ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا". أي (٦) صِرْتَ أنتَ المُطَالَبَ بهما. وهذا على سَبِيلِ التَّأْكِيدِ؛ لِثُبُوتِ الحَقِّ في ذِمَّتِه، وَوُجُوبِ الأَدَاءِ عليه، بِدَلِيلِ قولِه في
(١) في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني ٣/ ٤٧. كما أخرجه البيهقي، في: باب وجوب الحق بالضمان، من كتاب الضمان. السنن الكبرى ٦/ ٧٣. (٢) تقدمت قصة أبي قتادة هذه في صفحة ٧١، عن سلمة بن الأكوع عنه. والقصة هنا عن جابر أخرجها الإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٣٠. كما أخرجها أبو داود، في: باب التشديد في الدين، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٢١. (٣) في م: "جلدته". (٤) في م زيادة: "الدين". (٥) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥٦٧. (٦) سقط من: م.