قال ابن عبّاس (١): (فقال أناس من تجّار بكر بن وائل وغيرهم من المشركين بعد قراءة عليّ رضي الله عنه هذه الآية: ستعلمون يا أهل مكّة إذا فعلتم هذا ماذا تلقون من الشّدّة ومن أين تأكلون، أما والله لتقطّعنّ سبلكم، ولا نحمل إليكم شيئا. فوقع ذلك في نفس أهل مكّة وشقّ عليهم، وألقى الشّيطان في قلوب المسلمين حزنا وقال لهم:
من أين تعيشون وقد نفى المشركين وقطع عنكم الميرة؟ فقال المسلمون: يا رسول الله قد كنّا نصيب من تجاراتهم، فالآن ينقطع عنّا الأسواق والتّجارة ويذهب الّذي كنّا نصيبهم فيها، فأنزل الله عزّ وجلّ قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}) معناه: وإن خفتم فقرا من إبعاد المشركين، {(فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)} بغيرهم، فأخصبت تبالة (٢) وجرش وحملوا إلى مكّة الطّعام والإدام، وأغنى الله أهل مكّة من تجّار بني بكر (٣).وروي أن أهل نجد وصنعاء من أهل اليمن أسلموا وحملوا إلى مكّة الطعام في البحر والبرّ.
والعيلة: الفقر والصّفاق، يقال: عالى الرجل يعيل عليه، قال الشاعر:
ولا يدري الفقير متى غناؤه ... ولا يدري الغنيّ متى يعيل
أي يفتقر. وفي مصحف عبد الله (وإن خفتم عائلة فسوف يغنيكم الله من فضله)(٤).
وقوله تعالى:{إِنْ شاءَ؛} استثناء، فجاء علم الله أنه سيكون لئلا تترك العباد الاستثناء في أمورهم، ولتنقطع الآمال إلى الله في طلب الغنى منه. قوله تعالى:
{إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(٢٨)؛أي عليم بخلقه وما يصلحهم، حكيم فيما حكم من أمره.
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٨٩٦ - ١٢٩١٠) وأدرجها الطبراني في هذا النص. (٢) في المخطوط: (توبالة). (٣) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ج ٨ ص ١٠٦. (٤) في المحرر الوجيز: ص ٨٣٦؛ قال ابن عطية: ((وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود: عائلة وهو مصدر كالقائلة، من قال يقيل، وكالعاقبة والعافية، ويحتمل أن تكون نعتا لمحذوف تقديره: (حالا عائلة).)) وينظر: الجامع لأحكام القرآن: ج ٨ ص ١٠٧.