قوله عزّ وجلّ:{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ؛} معناه: قاتلوا اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بآيات الله التي أنزلها على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: معنى قوله: {لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ؛} أي كانوا يصفون الله سبحانه بصفة لا تليق به، لأن اليهود مثنّية والنّصارى مثلّثة. وقوله تعالى:
{(وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ)} أي لا يحرّمون الخمر والخنزير ونحو ذلك مما لم يقرّوا بتحريمه.
وقوله تعالى:{وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ؛} أي لا يعتقدون دين الإسلام ولا يخضعون لله بالتوحيد، وقيل: معنى {(دِينَ الْحَقِّ)} أي دين الله؛ لأن الله هو الحقّ.
قوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ؛} يعني اليهود والنصارى، {حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ؛} أي حتّى تؤخذ الجزية من أيديهم وهم قيّام أذلاّء، والآخذ جالس. ويقال: أراد بالقهر، كأنه قال: عن قهر من المسلمين عليهم واعتراف منهم للمسلمين بأنّ أيدي المسلمين فوق أيديهم، كما يقال: اليد لفلان في هذا الأمر، ويراد به نفاذ أمره. ويحتمل أن يكون المعنى باليد إنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية عنهم.
ويقال: أراد باليد القوّة على معنى أنه ليس على الفقير غير المتموّل جزية.
وأما طعن المخالف (١) كيف يجوز إقرار الكفّار على كفرهم بأداء الجزية بدلا عن الإسلام؟ فالجواب: أنه لا يجوز أن يكون أخذ الجزية عنهم رضى بكفرهم، وإنما الجزية عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر، وإذا جاز إمهالهم بغير الجزية للاستدعاء إلى الإيمان كان إمهالهم بالجزية أولى. قال أبو عبيد:(يقال لكلّ من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس منه أعطاه عن يد)(٢)،قال ابن عبّاس:(هو أن يعطيها بأيديهم يمشون بها كارهين، ولا يجيئون ركبانا ولا يرسلون بها)(٣).
(١) في اللباب في علوم الكتاب: ج ١٠ ص ٦٨؛نقل الخلاف عن ابن الراوندي. (٢) ينظر: معالم التنزيل: ص ٥٥٠ - ٥٥١. (٣) علقه الطبري في جامع البيان؛ قال: ((وذلك قول ابن عباس من وجه فيه نظر)).