للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ؛} أي ثم يتوب من بعد الهزيمة على من يشاء منهم من كان أهلا لذلك، {وَاللهُ غَفُورٌ؛} لما كان منهم في الشّرك إذا تابوا {رَحِيمٌ} (٢٧)؛بهم في الإسلام.

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا؛} معناه: إنما المشركون قذر، وقيل: خبث.

والنّجس: مصدر أقيم مقام الاسم لا يثنّى ولا يجمع، يقال: رجل نجس وامرأة نجس، ورجال ونساء نجس، ولا يؤنّث ولا يجمع؛ فلهذا لم يقل إن المشركين أنجاس، وسمّى المشرك نجسا؛ لأنّ شركه يجري مجرى القذر في أنه يجنب الجنب، كما تتجنّب النجاسات؛ أي يجب التبرّؤ من المشركين وقطع مودّتهم.

والنجاسة على ضربين، نجاسة أعيان، ونجاسة الذّنوب، وكان الحسن يقول: (لا تصافح المشركين، فمن صافحهم فليتوضّأ) (١)،وقال قتادة: (سمّاهم الله نجسا لأنّهم يجنبون ولا يغتسلون، ويحدثون ولا يتوضّئون، فمنع من دخول المساجد؛ لأنّ الجنب لا يدخل المسجد) (٢).

قوله تعالى: {(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا)} أي لا ينبغي لهم أن يقربوه للحجّ والطّواف بعد هذا العام، وهو العام الذي حجّ فيه أبو بكر رضي الله عنه، ونادى عليّ رضي الله عنه فيه ببراءة، وهو سنة تسع من الهجرة، ثم حجّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في العام الثاني حجّة الوداع في سنة عاشر من الهجرة (٣).قوله تعالى: {(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ)} بيان أنّ المراد بالآية إبعاد المشركين عن المسجد الحرام، كما روي عن عليّ رضي الله عنه أنه كان ينادي فيهم في ذلك العام: [ألاّ لا يطوفنّ بهذا البيت بعد هذا العام مشرك وعريان].


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٨٩٤).
(٢) هذا تأويل الإمام الطبري، وأدرجه المصنف رحمه الله في مجال كلام قتادة. وأخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٨٨٩)؛قال: النجس: الجنابة. والأثر (١٢٨٩١).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٨٩٥) عن قتادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>