ثم إنّ مالك بن عوف قال لأصحابه: هل لكم أن تصيبوا من محمّد مالا؟ قالوا: نعم، فأرسل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي أريد أن أسلم فما تعطيني؟ قال:[أعطيك مائة من الإبل ورعاتها] فجاء وأسلم وأقام يوما أو يومين، فلمّا رأى المسلمين ورقّتهم وزهدهم واجتهادهم رقّ لذلك، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:[يا ابن عوف ألا نفي لك بما وعدناك؟] قال: يا رسول الله أمثلي يأخذ على الإسلام شيئا؟! ثم أسلم أهل الطائف، وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن أفتتح عامّة الشام (١).
قوله تعالى: {(فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ)} أي لقد أعانكم الله على أعدائكم في مواضع كثيرة من قتال بدر وحرب بني قريظة والنّضير وحنين وفتح مكة. قوله: {(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ)} أي وأعانكم يوم حنين، وحنين: اسم واد بين مكّة والطائف، وأضيف اليوم إلى حنين لوقوع الحرب يومئذ بها.
وقوله تعالى: {(إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)} إذ سرّتكم، والإعجاب هو السّرور والتعجّب، فلم تغن عنكم كثرتكم شيئا ولا دفعت عنكم سوءا. قوله تعالى:
{وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ؛} أي ضاقت عليكم الأرض مع سعتها من خوف العدوّ، فلم تجدوا موضعا للفرار إليه. قوله تعالى:{ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}(٢٥)؛أي أعرضتم منهزمين لا تلوون على أحد. والإدبار الذّهاب إلى الخلف.
قوله تعالى:{ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ؛} أي أنزل أمنه ورحمته على رسوله، {وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛} حتى عادوا فظفروا. والسّكينة في اللغة اسم لما يسكن إليه القلب، وقال الحسن:(أراد بالسّكينة الوقار).قوله تعالى:{وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها؛} أي أنزل من السّماء ملائكة لنصركم، لم تروها بأعينكم. قوله تعالى:{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا؛} يعني بالقتل والأسر، {وَذلِكَ؛} العقاب، {جَزاءُ الْكافِرِينَ}(٢٦)؛في الدّنيا.
(١) السيرة النبوية لابن هشام: ج ٣ ص ١٣٣ - ١٣٤: قصة إسلام مالك بن عوف النصري.