وقيل لآخر (١): ما تقولُ في العشق؟ فقال: إن لم يكن طرفًا من الجنون؛ فهو نوعٌ من السِّحر.
وأما الفلاسفةُ المشَّاؤون فقالوا: هو اتِّفاق أخلاقٍ، وتشاكل محَبَّاتٍ وتجانُسُها، وشوقُ كُلِّ نفس إلى مُشاكِلِها ومُجانِسها في الخلْقَة القديمة قبل إهباطها إلى الأجساد.
قلت: وهذا مبنيٌّ على قولهم الفاسد بتقدُّم النفوس على الأبدان، وعليه بنَى ابنُ سينا قصيدته المشهورة (٢):
هَبَطَتْ إليكَ من المَحلِّ الأرفَعِ
وسمعتُ شيخنا يحكي عن بعض فُضلاء المغاربة، وهو جمالُ الدِّين بنُ الشرِيشيِّ شارحُ المقامات: أنَّه كان ينكر أن تكون هذه له، قال: وهي مُخالِفةٌ لما قرَّره في كتبه من أنَّ حدوثَ النفس الناطقة مع البدن.
وقال آخرون في وصفه: دَقَّ عن الأفهام مسْلَكُه، وخَفِيَ عن الأبصار [٥٤ أ] موضعُه، وحارت العقولُ في كيفية تمكُّنه، غير أنَّ ابتداء
(١) انظر: «ذم الهوى» (ص ٢٩٢). (٢) عجزه: ورقاء ذات تعزُّزٍ وتمنُّعِ وقصيدته هذه في «معجم الأدباء» (٣/ ١٠٧٦)، و «وفيات الأعيان» (٢/ ١٦٠، ١٦١)، و «عيون الأنباء» (٣/ ١٥، ١٦)، و «جلاء العينين» (ص ١٧٢ - ١٧٣).