في قوله - عليه السلام -: "لا تَحَرَّوْا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها"(١).
قال ابن الملقن:
"و (لا) الناهية دخلت بعد الواو؛ لتفيد النهيَ عن كل منهما"(٢).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أن (لا) الناهيةَ قد يُنهى بها عن أمور عدة، وقد ينهى بها عن شيء بعينه، وبيان ذلك فيما يلي:
مثَّل سيبويه وغيره بـ:"لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن"، وذلك عندما أرادوا النهي عن الجمع بين اللبن والسمك، ولو أنهم أرادوا النهي عن أكل السمك على كل حال، أو شرب اللبن على كل حال لقالوا:"لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن"(٣).
وعكسُ ذلك في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ}(٤)، أي: لا يسخر قومٌ من قوم، ولا يسخر نساءٌ من نساء.
ومثله قولُ البُوصِيري (٥):
ولا تُطع منهما خَصْمًا ولا حكمًا ... فأنت تعرفُ كيدَ الخصمِ والحكمِ (٦)
أي: ولا تطع حكمًا.
وبناء عليه -كما في الحديث السابق- فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينهى عن تحري طلوع الشمس، وأن ينهى عن تحري غروب الشمس، بنهيين لا بنهيٍ واحد، ولو أنه أراد النهيَ عن
(١) صحيح البخاري ١/ ١٢٠، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس. (٢) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٦/ ٢٦٤. (٣) الكتاب ٣/ ٤٢، المقتضب ٢/ ٢٥، الأصول في النحو ٢/ ١٥٤. (٤) الحجرات: ١١. (٥) هو: محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي، شاعر مصري من القرن السابع الهجري، ت: ٦٩٨ هـ، وترجمته في: الوافي بالوفيات ٣/ ٩٣، العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري ١/ ١٥. (٦) العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري ١/ ٨٤.