للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

، فميزوا بين المعمول به وغير المعمول به، كما ميزوا بين الصحيح وغير الصحيح.

ومن تأمل صنيع المصنفين في السنة من علماء الحديث يتبين له ذلك بوضوح وجلاء، فهذا الإمام أبو داود قد ألف كتابه «السنن»، وذكر في رسالته إلى أهل مكة أنه قد اختار له أصح ما عنده في كل باب، وأنه لا يخرج فيه إلا ما كان صحيحا أو شبيها بالصحيح، أو ضعيفًا هينًا، فإن كان ضعفًا شديدا بينه، وذكر أن ما سكت عنه فهو صالح، وذكر أيضًا في هذه الرسالة أنه لا يحتج بالحديث الشاذ، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أهل العلم، وإنما يقصد بالشاذ بالدرجة الأولى ما كان شاذًا من حيث المتن، وكلامه يدل على أنه يتجنب ما اشتمل على معنى يتعارض مع الأصول المقررة من قرآن وسنة وإجماع، أما ما لا يتعارض من هذه الأصول فهو يخرجه في كتابه، فما كان منه صحيحًا أو حسنًا فلا إشكال فيه، وما كان ضعيفًا من حيث الإسناد فهو يسكت عليه، إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منه، وذلك واضح في كونه ليس شاذا، وليس معارضًا للأصول المتقررة، وهذا المذهب الذي اختاره الإمام أبو داود هو مذهب شيخه الإمام أحمد بن حنبل، فقد كان يحتج بالمرسل إذا لم يكن في الباب ما يعارضه، وكذلك يحتج بالضعيف الذي ليس منكرًا أو باطلا إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه، وقد أثر عنه أنه قال: لست أخالف ما ضعف إذا لم يكن في الباب ما يعارضه، وأنه قال: ولضعيف الحديث أحب إلي من رأي الرجال. ونحو ذلك من العبارات المأثورة عنه، وإنما يقصد بالضعيف في كلامه هذا،

<<  <   >  >>