وأيضاً فسفيانُ لم يقلْ لأبي إسحاقَ: ولم يحدثك بهِ أبو بردةَ إلا مرسلاً، فهو حدثهُ بهِ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لكن بواسطةٍ، ولو أبرزَ له الواسطةَ لقالَ له (١): نعم، وهذا كما لو قلت لشيخٍ: أسمعتَ البخاريَّ على (٢) فلانٍ من روايةِ الفربري؟ فقالَ: نعم، فجاءَ آخرُ فقالَ للشيخِ: أسمعتَ البخاريَّ على فلانٍ (٣)، حدثنا فلانّ ... إلى أنْ يقولَ: حدثنا الفربري، حدثنا البخاري؟ فلا يكونُ بينَ الكلامينِ تعارضٌ، وكأنَّ سفيانَ قالَ لهُ: أسمعتَ الحديثَ من أبي بردةَ؟ فقصدهُ إنما هوَ السؤالُ عن سماعه الحديثَ، / ١٣٥ ب / لا عن كيفيةِ روايتهِ له، واللهُ أعلمُ (٤).
ويؤيدُ ما قالهُ شيخنا: ترجيحُ الدارقطني لإرسالِ حديثِ: ((كفى بالمرءِ إثماً (٥) أنْ يحدّثَ بكلِ ما سمعَ)) (٦)، فإنَّهُ اختلفَ فيهِ على شعبةَ: فرواهُ معاذُ بنُ معاذٍ، وابنُ مهديٍّ، وغندرُ، وحفصُ بنُ عمرَ النميري عنهُ، عن خبيبِ بنِ عبدِ الرحمان، عن حفصِ بنِ عاصمٍ، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. ورواهُ عليُ بنُ حفصٍ، عن شعبةَ بهِ، فوصلهُ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، فصارَ المرسِلونَ أربعةً والواصلُ واحداً، فلذلك قالَ الدارقطني:((الصوابُ المرسل عن شعبةَ)) انتهى.
فهذا ما عليهِ حذاقُ المحدّثينَ، وإنْ كانَ النوويُّ رجَّحَ الوصلَ (٧) عملاً بما عليهِ الفقهاءُ، والأصوليونَ، وبعضُ أهلِ الحديثِ.
(١) لم ترد في (ب) و (ف) وهي في (أ) في الحاشية مع علامة اللحق والتصحيح. (٢) في (ب): ((عن)). (٣) من قوله: ((من رواية الفربري ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (٤) انظر نحو هذا الكلام في: النكت لابن حجر ٢/ ٦٠٦، وبتحقيقي: ٣٧٨. (٥) لم ترد في (ف). (٦) أخرجه: مسلم في مقدمة كتابه ١/ ٨ (٥)، وأبو داود (٤٩٩٢) عن أبي هريرة متصلاً. وأخرجه: مسلم في مقدمة كتابه ١/ ٨ (٥)، وأبو داود (٤٩٩٢) عن حفص بن عاصم فذكره مرسلاً. (٧) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١/ ٣٤.