والفتوى بعُد احتمالُ أنْ يريدَ سُنةَ غيرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّهُ لا يقلدُ مجتهداً مثلَهُ، وكذا كُلما قَرُبَ عصرُ القائلِ من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فالاحتمالُ في قولِ عمرَ مثلاً أضعفُ من الاحتمالِ في قولِ عثمانَ -رضي الله عنهما-، وخصَّ بعضُهم (١) الخلافَ بغيرِ أبي بكرٍ - رضي الله عنه -، قالَ: أمَّا إذا قالَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: ((من السنةِ كذا))، فإنّما يريدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - جزماً؛ لأنَّهُ لا / ٩٨ أ / سُنةَ إذ ذاكَ غيرُ سنتهِ.
وضابطهُ: أنَّهُ كلّما قربَ العهدُ بَعُدَ الاحتمالُ، وكلّما بعُدَ العهدُ قرُبَ الاحتمالُ وقويَ. هذا توجيهُهُ (٢). والشيخُ (٣) - رحمهُ الله - لم يبيِّنْ وجهَ واحدٍ منَ القولينِ، وإنَّما رجحَ بالكثرةِ، وجزمَ الرافعيُّ في البابِ الثالثِ منَ التيممِ في قولِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما-: ((منَ السُنةِ أنْ لا يصلَّى بالتيممِ إلا مكتوبةٌ واحدةٌ)) (٤) بأنَّ السُنةَ في كلامِ الصحابيِّ تنصرفُ إلى سُنةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -. (٥)
وقالَ الإسنوي في " المهمِّاتِ "(٦): إنَّهُ رأى المسألةَ كذلكَ في " الأمِّ " في
(١) بهذا قال ابن الأثير في جامع الأصول ١/ ٩٤، وسيأتي لاحقاً. (٢) قال الحافظ ابن حجر في النكت ٢/ ٥٢٥ وبتحقيقي: ٣٠٦: ((وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر لوجهين: أحدهما: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى. الثاني: أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل، وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته، والظاهر من مقصود الصحابي - رضي الله عنه - إنما هو بيان الشريعة ونقلها، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى الأصل أولى من إسناده إلى التابع، والله أعلم)). (٣) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (٤) أخرجه: عبد الرزاق (٨٣٠)، والدارقطني ١/ ١٨٥، والبيهقي ١/ ٢٢٢. (٥) الشرح الكبير ٢/ ٣٤١. (٦) اسم هذا الكتاب هو: المهمات على الروضة، في الفروع، وقد حصل عليه تتمات وتعقبات وتعليقات وحواش وغيرها، من عدد من العلماء. انظر: كشف الظنون ٢/ ١٩١٤.