تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (١) .
لَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يبلِّغ شَيْئًا مِنْ إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَلَهُمْ عَلَى هَذَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يُثْبِتُونَ بِهَا هَذَا الْعِلْمَ.
مِنْهَا: أَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لنُقل، كَمَا نُقل أَمْثَالُهُ مِنْ حَدِيثِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ ما يُنقل في فَضَائِلِ عَلِيٍّ، مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ، فَكَيْفَ لَا يُنقل الْحَقُّ الصِّدْقُ الَّذِي قَدْ بُلِّغ لِلنَّاسِ؟!
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّتَهُ بِتَبْلِيغِ مَا سَمِعُوا مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ، وَطَلَبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، فأُنكِر ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: الْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَرَوَى الصَّحَابَةُ فِي مَوَاطِنَ مُتَفَرِّقَةٍ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أن: ((الإمامة في قريش)) .
ولم يرو واحد منهم: لا في المجلس ولا في غَيْرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ.
وَبَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ - مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ - لَهُمْ مَيْلٌ قَوِيٌّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَخْتَارُونَ وَلَايَتَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا النَّصَّ. وَهَكَذَا أُجرى الْأَمْرُ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي عَهْدِهِ أَيْضًا لَمَّا صَارَتْ لَهُ وَلَايَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُوَ وَلَا أحدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ هَذَا النَّصَّ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ هَذَا النَّصُّ بَعْدَ ذلك.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا} (٢) . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى إِكْمَالِ الدِّينِ، وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ، وَرِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي، وَبِالْوَلَايَةِ لعليٍّ مِنْ بَعْدِي. ثم قال: من كنت
(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.(٢) الآية ٣ من سورة المائدة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute