مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ مَنْصُورِينَ عَلَيْهِمْ.
وَالَّذِينَ قَدَحُوا في علي ّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلُوهُ كَافِرًا وَظَالِمًا لَيْسَ فِيهِمْ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالرِّدَّةِ عَنِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الَّذِينَ يَمْدَحُونَهُ وَيَقْدَحُونَ فِي الثَّلَاثَةِ،
كَالْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِلَاهِيَّتَهُ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ هُمْ شَرٌّ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ، وَكَالْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ نبوَّته؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ مرتدُّون، كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَمَنِ اعْتَقَدَ فِي بَشَرٍ الْإِلَهِيَّةَ، أَوِ اعْتَقَدَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا بَلْ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ النَّبِيَّ دُونَهُ وَإِنَّمَا غَلَطَ جِبْرِيلُ؛ فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَظْهَرُ كُفْرُ أَهْلِهَا لِمَنْ يَعْرِفُ الْإِسْلَامَ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ.
بِخِلَافِ مَنْ يكفِّر عَلِيًّا وَيَلْعَنُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَمِمَّنْ قَاتَلَهُ وَلَعَنَهُ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ وَبَنِي مروان وغيرهم؛ فإن هؤلاء مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ: يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيَصُومُونَ رَمَضَانَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَيُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَيْسَ فِيهِمْ كُفْرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعُهُ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ عَرَفَ أَحْوَالَ الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ هَذَا أَنَّ جميع المخالفين نزّهوه دون الثلاثة؟
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا حَدِيثُ الْكِسَاءِ فَهُوَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيد ُاللهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً} (١) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ شَرَكَهُ فِيهِ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وحسين رضى الله عنهم، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، فعُلم أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لا تختص بالأئمة، بل يشركهم
(١) الآية ٣٣ من سورة الأحزاب. وانظر مسلم ج٤ ص ١٨٨٣ والمسند ج٦ص٢٩٢،٢٩٨، ٣٠٤ والترمذي ج٥ ص٣٠ وتقدم تخريجه أيضاً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute