غلط فيها وتلوَّن فيها)) .
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قال: ((قد كان قبلكم من الْأُمَمِ محدِّثون، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ)) (١) وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ لِعَلِيٍّ.
وَأَنَّهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ أَنِّي أُتيت بِقَدَحٍ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ)) قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الْعِلْمُ)) (٢) .
فَعُمَرُ كَانَ أَعْلَمَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمُتْ، فَهَذَا كَانَ سَاعَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَوْتُهُ. وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا: قَدْ يَشُكُّ الْإِنْسَانُ فِي مَوْتِ ميّتٍ سَاعَةً أو أكثر، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَوْتُهُ. وَعَلِيٌّ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ أمورٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِيهَا أَضْعَافَ ذَلِكَ، بَلْ ظَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي إِمَامَتِهِ، كفُتياه فِي الْمُفَوِّضَةِ الَّتِي مَاتَتْ وَلَمْ يُفرض لَهَا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا الْحَامِلُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَم أَنَّهَا حَامِلٌ، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَمَرَ بِرَجْمِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ أَنَّهَا حَامِلٌ. فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ عَلِيًّا أَخْبَرَنِي بِهَا لرجمتُها، فَقَتَلْتُ الْجَنِينَ. فهذا هو الذي خاف منه.
وَصَاحِبُ الْعِلْمِ الْعَظِيمِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، لَمْ يَقْدَحْ هَذَا فِي كَوْنِهِ أَعْلَمَ مِنْهُ، فَقَدْ تَعَلَّمَ مُوسَى مِنَ الْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَتَعَلَّمَ سُلَيْمَانُ من الهدهد خبر بلقيس.
[(فصل)]
قال الرافضي: ((الثالث عشر: أنه ابتدع التَّرَاوِيحَ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً بِدْعَةٌ، وَصَلَاةُ الضُّحَى بِدْعَةٌ، فَإِنَّ قَلِيلًا فِي سُنَّةٍ خيرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ. وَخَرَجَ عُمَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلًا، فَرَأَى الْمَصَابِيحَ فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فقيل له: إن الناس قد
(١) انظر البخاري ج٤ ص ١٧٤ وج٥ ص ١٢.(٢) انظر البخاري ج١ ص ٢٣ - ٢٤ ومواضع أُخر ومسلم ج٤ ص ١٨٥٩ - ١٨٦٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute