كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١) .
وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٢) .
فَالصَّادِقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ عَلَى صِدْقِهِ، وَالصِّدْقُ الْمَجْزُومُ بِأَنَّهُ صِدْقٌ هُوَ الْمَعْلُومُ.
وَهَذَا الرَّجُلُ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحُجَجِ فِيهَا كَذِبٌ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرَ حُجَّةً وَاحِدَةً جَمِيعُ مُقَدِّمَاتِهَا صَادِقَةٌ، فَإِنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الصَّادِقَةَ يمتنع أن تقوم على باطل. وسنين إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهَا، فَتَسْمِيَةُ هَذِهِ بَرَاهِينَ مِنْ أَقْبَحِ الْكَذِبِ.
ثُمَّ إِنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلٍ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فَقَدْ خَالَفَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يُعلم صِدْقُهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ بُرْهَانًا، فَإِنَّهُ يُقِيمُ بَرَاهِينَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى نَقِيضِ مَا يَقُولُهُ، فَتَتَعَارَضُ الْبَرَاهِينُ فَتَتَنَاقَضُ، وَالْبَرَاهِينُ لَا تَتَنَاقَضُ.
بَلْ سَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قِيَامَ الْبَرَاهِينِ الصَّادِقَةِ الَّتِي لَا تَتَنَاقَضُ عَلَى كَذِبِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ، وَأَنَّ الْكَذِبَ في عامتها كذب ظاهر، لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَأَنَّ الْبَرَاهِينَ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّةِ الرَّسُولِ حَقٌّ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ - تُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ إِذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ، وَتَأَمَّلَ لَوَازِمَهُ وَجَدَهُ يَقْدَحُ فِي الْإِيمَانِ والقرآن والرسول.
ثُمَّ نَقُولُ: ثَانِيًا: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ حَقٌّ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّا نُطَالِبُهُ بِصِحَّةِ هذا النقل، أولاً يُذكر هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وجهٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ؛ فَإِنَّ مُجَرَّدَ عَزْوِهِ إِلَى تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، أَوْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَالِمِينَ بِالْمَنْقُولَاتِ، الصَّادِقِينَ فِي نَقْلِهَا، لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنْ لَمْ نَعْرِفْ ثُبُوتَ إِسْنَادِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا رَوَى فَضِيلَةً لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمْ يَجُزِ اعْتِقَادُ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ ثبوت روايته باتفاق أهل العلم.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: ((قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ)) مِنْ أَعْظَمِ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ بَلْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ، عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي عَلِيٍّ بِخُصُوصِهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يتصدٌّق بخاتمه في الصلاة،
(١) الآية ١١١ من سورة البقرة.(٢) الآية ٦٤ من سورة النمل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute