الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينّ آمَنُوا الَّذِينَ يقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (١) وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي ذَرٍّ: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا صَمَتَا، وَرَأَيْتُهُ بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا عَمِيَتَا يَقُولُ: ((عليٌّ قَائِدُ الْبَرَرَةِ، وَقَاتِلُ الْكَفَرَةِ، فَمَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ، وَمَخْذُولٌ مَنْ خَذَلَهُ)) أَمَا إِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يُعْطِهِ أحدٌ شَيْئًا، فَرَفَعَ السَّائِلُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَشْهَدُ أنّي سألت فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعْطِنِي أحدٌ شَيْئًا، وَكَانَ عليٌّ رَاكِعًا، فَأَوْمَأَ بِخِنْصَرِهِ الْيُمْنَى، وَكَانَ مُتَخَتِّمًا فِيهَا، فَأَقْبَلَ السَّائِلُ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنَّ مُوسَى سَأَلَكَ وَقَالَ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (٢)
فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآنًا نَاطِقًا: {سَنَشُد عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} (٣) . اللَّهُمَّ وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَصَفِيُّكَ، اللَّهُمَّ فَاشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيًّا اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي)) قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا محمد اقرأ. قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: اقْرَأْ: {إِنَّمَا َولِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَة َوَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (٤) .
وَنَقَلَ الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ الْوَاسِطِيُّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ، وَالْوَلِيُّ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ، وَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي الْآيَةِ، كَمَا أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِهِ)) .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْبَلَ ظَنًّا، بَلْ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، مِنْ جِنْسِ السَّفْسَطَةِ. وهو لو أفاد ظُنُونًا كَانَ تَسْمِيَتُهُ بَرَاهِينَ تَسْمِيَةٌ مُنْكَرَةٌ؛ فَإِنَّ الْبُرْهَانَ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن
(١) الآية ٥٥ من سورة المائدة.(٢) الآيات ٢٥ - ٣٢ من سورة طه.(٣) الآية ٣٥ من سورة القصص.(٤) الآية ٥٥ من سورة المائدة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute