يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠]، وهذا عطف على {إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام: ١٠٩]، أي: نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون.
واختُلِف في قوله:{كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، فقال كثير من المفسرين: المعنى نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرَّة.
قال ابن عباس في رواية عطاء عنه:"ونقلب أفئدتهم وأبصارهم حتى يرجعوا إلى ما سبق عليهم من علمي، قال: وهذا كقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ}[الأنفال: ٢٤] "(١).
وقال آخرون: المعنى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لتركهم الإيمان به أول مرة، فعاقبناهم بتقليب أفئدتهم وأبصارهم (٢). وهذا معنى حسن؛ فإن كاف التشبيه تتضمن نوعًا من التعليل، كقوله:{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[القصص: ٧٧]، وقوله: {(١٥٠) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي} [البقرة: ١٥١ - ١٥٢]، والذي حَسَّن اجتماع التعليل والتشبيه الإعلامُ بأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر.
والتقليب: تحويل الشيء من وجه إلى وجه، وكان الواجب من مقتضى
(١) نسبه إليه في "البسيط" (٨/ ٣٥٨). (٢) انظر: "البسيط" (٨/ ٣٦٢).