يهتدي إلى طريق قَصَده، وتتميز له عن غيرها، ولا يهتدي إلى تفاصيل سيره فيها، وأوقات السير من غيره، وزاد المسير، وآفات الطريق.
ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة: ٤٨]، قال:"سبيلًا وسُنة"(١)، وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير، فالسبيل الطريق وهي المنهاج، والسنة الشِّرْعة وهي تفاصيل الطريق وحَزُوناته وكيفية السير فيه وأوقات السير، وعلى هذا فقوله: سبيلًا وسنة، تكون السبيل: المنهاج، والسنة: الشِّرْعة، فالمقدَّم في الآية للمؤخَّر في التفسير، وفي لفظ آخر:"سنة وسبيلًا"(٢)، فيكون المقدَّم للمقدَّم والمؤخَّر للثاني.
فصل
ومن هذا إخباره سبحانه بأنه طَبَع على قلوب الكافرين وخَتَم عليها، وأنه أصمها عن الحق، وأعمى أبصارها عنه، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَانْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة: ٦ - ٧]، والوقف تام هنا، ثم قال:{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}[البقرة: ٧]، كقوله:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}[الجاثية: ٢٣]، وقال تعالى:{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[النساء: ١٥٥]، وقال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ
(١) أخرجه عبد الرزاق في "التفسير" (١/ ١٩٢). (٢) أخرجه الطبري (٨/ ٤٩٦).