فقد تقدم الختم، قال الأزهري:"وأصله التغطية، وخَتَمَ البذرَ في الأرض إذا غَطَّاه"(١).
وقال أبو إسحاق:"معنى: خَتَم وطَبَعَ في اللغة واحد، وهو: التغطية على الشيء والاستيثاق منه، فلا يدخله شيء، كما قال تعالى:{الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ}[محمد: ٢٤]، وكذلك قوله:{طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[محمد: ١٦] "(٢).
قلت: الختم والطبع يشتركان فيما ذُكِر، ويفترقان في معنى آخر، وهو: أن الطبع ختم يصير سجية وطبيعة، فهو تأثير لازم لا يفارق.
وأما الأكنّة ففي قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}[الإسراء: ٤٦]، وهي جمع كِنَان، كعِنَان وأعِنّة، وأصله من الستر والتغطية، ويقال: كَنّهُ وأكنّهُ، وليسا بمعنى واحد، بل بينهما فرق، فأكنّهُ إذا ستره وأخفاه، كقوله تعالى:{أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ}[البقرة: ٢٣٥]، وكَنّهُ إذا صانه وحفظه، كقوله:{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ}[الصافات: ٤٩]، ويشتركان في الستر، والكِنَان ما أكنَّ الشيء وسَتَره، وهو كالغلاف، وقد أقرّوا على أنفسهم بذلك فقالوا:{قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}[فصلت: ٥]، فذكروا غطاء القلب وهي الأكنّة، وغطاء الأذن وهو الوَقْر، وغطاء العين وهو الحجاب، والمعنى: لا نفقه كلامك، ولا نسمعه، ولا نراك، والمعنى: إنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفقه ما تقول، ولا يسمعه، ولا يراك.