الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)}، فألقى عليه الشيطانُ كلمتين:"تلك الغَرانيقُ (١) العُلا، وشفاعتُهم تُرْتَجَى (٢) "، فقرأ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما بَقِيَ من السورةِ، ثم سجد في آخرِ السورةِ، فسجد القوم معه.
وكان الوليدُ بنُ المُغيرةِ شيخًا كبيرًا، فرَفَع التُّرابَ إلى جبهتِهِ، فقالوا: قد عرفنا أنَّ اللهَ هو الذي يُحيي ويُميتُ وَيخلُقُ وَيرزُقُ، ولكنَّ آلهتَنا تشفعُ لنا عندَهُ، فأمَّا إذ جعلتَ لَه (٣) نصيبًا فنحنُ معك.
فلمَّا أَمْسى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريلُ فعَرض عليه السورةَ، فلما
(١) الغَرَانِيق: الأصنام، وهي في الأصل: الذكور من الطير، وكانوا يدَّعون أن الأصنام تشفع لهم، فشُبهت بالطيور التي ترتفع إلى السماء. وواحد الغرانيق فيه لغات؛ منها: الغُرْنُوق، والغُرْنَيْق، والغِرْنيق، والغِرْنَوْق، والغِرْناق، وغيرها. انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي (٢/ ١٥٥)، و "النهاية" لابن الأثير (٣/ ٣٦٤)، و "لسان العرب" و "تاج العروس" (غ ر ن ق). (٢) كتبها في الأصل: "وإن شفاعتهم لترتجى" ثم ضرب على "إن" واللام في "لترتجى". (٣) كذا في الأصل. ولا يبعد أن يكون الضمير في "له" يعود على الله سبحانه، ويكون مرادهم: أما إذ جعلت لله نصيبًا فقط من العبادة، ولم تجعلها له وحده - بزعمهم - فنحن معك. أو أن الضمير عائدًا على الغرنوق؛ وهو الصنم؛ من الحمل على المعنى بإفراد الجمع؛ وتقدم التعليق عليه في الحديث [١١٨٩]. ويمكن أن تكون له توجيهات أخرى؛ منها: أن يكون أصلها: "لها"؛ أي: للأصنام؛ كما وقع عند ابن جرير في "التفسير" و "التاريخ" في الرواية الأولى، ولم تذكر العبارة بنصها في الرواية الثانية. ويخرج إذن ما في الأكل على أنه أراد: "لَهَا" فحذف الألف، وأسكن الهاء، ونقل حركة الهاء على الحرف الذي قبلها، وهي لغة طيِّئ ولَخْم في ضمير المؤنَّثة؛ ومنها قول بعض العرب: "بالفضلِ ذو [أي: الذي] فضَّلكم اللهُ بِهْ، والكرامةِ ذاتُ [أي: التي] فضَّلكم اللهُ بَهْ"؛ أي: بها؛ حكاه الفراء. وانظر: "جمهرة اللغة" (١/ ٢٨٩)، و "الإنصاف في مسائل الخلاف" (٢/ ٥٦٧ - ٥٦٨)، و "سر صناعة الإعراب" (٢/ ٦٣١ - ٦٣٢). =