وقوله تعالى:{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}. أي: حتى أتانا الموت الموقن به. وهو كقوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر: ٩٩].
وفي صحيح البخاري من حديث أم العلاء مرفوعًا:[أمّا هو -يعني عثمان بن مظعون- فقد جاءه اليقين من ربّه](١).
وقوله تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}. قال النسفي:(من الملائكة والنبيين والصالحين، لأنها للمؤمنين دون الكافرين. وفيه دليل ثبوت الشفاعة للمؤمنين).
وفي سنن ابن ماجة بإسناد صحيح عن عبد اللَّه بن قيس قال: كنت عند أبي بردة ذات ليلة. فدخل علينا الحارث بن أقَيْش. فحدثنا الحارث ليلتئذ، أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[إنَّ من أمتي مَنْ يدخُل الجنةَ بشفاعتِه أكثرُ مِنْ مُضَرَ. وإنَّ مِنْ أمتي من يَعْظُمُ للنار حتى يكونَ أحَدَ زواياها](٢).
وقوله تعالى:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}. قال قتادة:(أي عن هذا القرآن).
أي: فما لهؤلاء المشركين الذين قِبَلك -يا محمد- لا يستمعون لهذه الذكرى من الوحي، فيعرضون ولا يعتبرون ولا يتعظون! ؟
وقوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ}. أي فهم يُوَلُّونَ تولية الحمر لفرارها من الصيد. قال ابن عباس:(أراد الحمر الوحشية). وقرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء، أي مُنَفَّرَة مذعورة. والباقون بالكسر، أي نافرة. وهما قراءتان مشهورتان.
وقوله تعالى:{فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}. أي نفرت وهربت من رُماة يرمونها، أو من أسد يريد افتراسها. قال ابن عباس:({فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قال: الرماة). أو قال:(رجال القَنْص). وقال زيد بن أسلم:(هو الأسد). وقال حَمَّاد بن سَلَمةَ، عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس:(الأسد بالعربية، ويقال له بالحبشية قَسْوَرة، وبالفارسية شِيرٌ، وبالنبطية أويا).
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٩٢٩) من حديث أم العلاء، وله قصة. واليقين: الموت. (٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (٤٣٢٣)، كتاب الزهد. باب صفة النار. وانظر صحيح سنن ابن ماجة (٣٤٩٠). والحديث فيه إثبات الشفاعة للمؤمنين.