وقوله:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}. قال مقاتل:(هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة فيلوذون ببعض أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يخرجوا من المسجد).
وقوله:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. تهديد ووعيد، لكل متجرئ على مخالفة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه. والمعنى: فليحذر من خالف شريعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - باطنًا وظاهرًا أن تصيبهم في قلوبهم فتنة: من كفر أو نفاق أو بدعة، أو يصيبهم عذاب أليم في الدنيا: بقتل أو حَدٍّ أو حبس أو نحوه، ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله.
قلت: بل التهديد للمتجرئ على مخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب الأليم يشمل حصوله في الدارين: الدنيا والآخرة، وقد جاء هذا التحذير والوعيد في أكثر من حديث في السنة المطهرة:
الحديث الأول: روى مسلم عن جابر قال: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احْمَرَّتْ عيناه، وعلا صَوْتُه، واشْتَدَّ غضبُه، حتى كانه مُنْذِرُ جَيْشٍ يقول: صَبَّحَكُمْ مَسّاكُمْ! ويقول: بُعِثْتُ أنا والساعةُ كهاتين. ويقرن بين إصْبَعَيْه السَبَّابَةِ والوُسْطى، ويقول: أما بَعْدُ، فإن خير الحديث كِتابُ الله، وخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ محمد، وشَرُّ الأمور مُحْدثاتها، وكُلُّ بِدْعة ضلالة](١).
الحديث الثاني: يروي ابن ماجة بسند صحيح عن ابن عمر: [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تمنعوا إماءَ الله أن يصلين في المسجد". فقال ابن له: إنا لنمنعهن، فقال، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: إنا لنمنعهن؟ ] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الترمذي بسند صحيح عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله حدّثه: [أنه سمع رجلًا من أهل الشام، وهو يسأل عبد الله بن عمر: عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عبد الله بن عمر: هي حلال. فقال الشامي: إنّ أباك قد نهى عنها. فقال عبد الله بن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَمْرُ أبي
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨٦٧) - كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة. (٢) حديث صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة -حديث رقم- (١٦). باب تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتغليظ على من عارضه.