وما تواترَ عندكم من أخبارهم {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم. أي ومع ذلك فلم يكن لكم فيهم معتبر ولا مزدجر).
قلت: وفي الآية تقريع لأولئك الظالمين في سكناهم أماكن دمار الأمم التي أنزل اللهُ بها عذابهُ - وهو معنى لم أجد من المفسرين من لفت إليه - وهو من صُلب السنة الصحيحة. وفي ذلكَ حديثان.
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي اللهُ عَنْهُما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابهِ - يعني لما وصلوا الحِجْر: وهي ديار ثمود فيما بين المدينة والشام -: [لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا تُصيبُكم ما أصابهم](١). وفي لفظ لمسلم:(ثم قَنَّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي). وفي لفظ للبخاري:(ثم تَقَنَّعَ بردائه وهو على الرّحل).
الحديث الثاني: أخرج مسلم عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره: [أن الناسَ نزلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحجر أرضِ ثمود فاستقوا من آبارها، وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُهريقوا ما استقوا، ويَعْلِفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة](٢).
قال ابن القيم في "زاد المعاد"(٣/ ٥٦٠): (ومنها: أن الماء الذي بآبار ثمود، لا يجوز شُربهُ، ولا الطبخُ منهُ، ولا العجينُ بهِ، ولا الطهارةُ بهِ، ويجوزُ أن يُسقى البهائم إلا ما كان من بئر الناقة. قال: ومنها: أنَّ من مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين، لم ينبغ له أن يدخُلَها، ولا يُقيمَ بها، بل يُسرع السير، ويتقنّع بثوبه حتى يجاوزَها، ولا يدخل عليهم إلا باكيًا معتبرًا).
١ - قال ابن عباس:(ما كان مكرهم لتزول منه الجبال). وكان الحسن يقول: (وإن
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح - حديث رقم - (٣٣٨١)، كتاب الأنبياء، ومسلم (٢٩٨٠)، وأخرجه أحمد في المسند (٢/ ٩ - ٥٨). (٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٩٨٠)، كتاب الزهد والرقائق، وانظر صحيح البخاري (٣٣٨١).