البيانِ النبويِّ للقرآنِ الكريمِ، تحسُنُ الإشارةُ إليه، والاهتمامُ به، وهو: بيانُ النَّبي ﷺ لأدلةِ معرفةِ المعاني وقبولِها أو رَدِّها. ومع قِلَّةِ العنايةِ بهذا النَّوعِ إلا أنَّه مِنْ تمامِ البيانِ الذي أُمِرَ به رسولُ الله ﷺ في قوله تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]. ومِن أمثلةِ ذلك:
١ - قولُ ابن مسعود ﵁: «لَمَّا نزلت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] شَقَّ ذلك على أصحابِ رسولِ الله ﷺ، وقالوا: وأيُّنا لم يظلم نفسه! فقالَ النَّبي ﷺ: «ليس بذلك؛ ألم تسمعوا ما قالَ العبدُ الصّالحُ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]؟ إنَّما هو الشِّركُ»» (١)، وقد كانَ يتمُّ البيانُ بقولِه ﷺ: «إنَّما هو الشِّركُ»، ولكنَّه وجَّهَ أصحابَه إلى هذا الوجهِ مِنْ الاستشهادِ؛ وهو الاستدلالُ بالقرآنِ على المعاني؛ ليكونَ لهم منهجاً في معرفةِ المعنى وتحقيقِه.
٢ - وعن أمُّ مُبَشِّر ﵂ قالَت: «سمعتُ النَّبي ﷺ يقولُ عند حفصة: «لا يدخلُ النّارَ -إن شاءَ اللهُ- مِنْ أصحابِ الشَّجرةِ أحدٌ مِنْ الذين بايعوا تحتها»، فقالَت حفصةُ: بلى يا رسولَ الله. فانتهرَها، فقالَت: ألم يقُل الله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]؟ فقالَ النَّبي ﷺ: «وقد قالَ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢]»» (٢)، فأزالَ ﷺ الإشكالَ بالاستدلالِ بالسّياقِ، فانتَسَقَ به المعنى مع ما قَرَّرَه ﵊.
٣ - وعن ابنِ عباس ﵁ قالَ: «لمَّا نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
(١) أخرجه البخاري في صحيحه ٤/ ١٦٣ (٣٤٢٩)، ومسلم في صحيحه ١١/ ٣٠٧ (١٢٤).(٢) أخرجه مسلم في صحيحه ٦/ ٤٧ (٢٤٩٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute