«يقولُ تعالى ذِكرُه للمؤمنين به وبرسولِه الذين نهاهم أن يُجادِلوا أهلَ الكتابِ إلا بالتي هي أحسنُ: إذا حدَّثَكم أهلُ الكتابِ أيُّها القَومُ عن كُتُبِهم، وأخبروكم عنها بما يُمكِنُ، ويَجوزُ أن يكونوا فيه صادِقين، وأن يكونوا فيه كاذِبين، ولَم تعلَموا أمرَهم وحالَهم في ذلك = فقولوا لهم: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] مِمّا في التَّوراةِ والإنجيلِ، ﴿وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، يقول: ومَعبودُنا ومَعبودُكم واحِدٌ. ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، يقولُ: ونحن له خاضِعون مُتذَلِّلون بالطّاعةِ فيما أمرَنا ونهانا. وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك جاءَ الأثرُ عن رسولِ الله ﷺ) (١)، ثُمَّ أسندَ عن أبي هريرة ﵁ قولَه: كانَ أهلُ الكتابِ يقرءون التَّوراةَ بالعِبرانيَّةِ، فيُفسِّرونَها بالعربيَّةِ لأهلِ الإسلامِ، فقالَ رسولُ الله ﷺ:«لا تُصَدِّقوا أهلَ الكتابِ ولا تُكَذِّبوهم، وقولوا: آمنّا بالذي أُنزلَ إلينا وأنزلَ إليكم، وإلاهُنا وإلاهُكم واحِدٌ، ونحن له مُسلمون»(٢).
الثَّانيةُ: الإذنُ لهذه الأُمَّةِ في أن تُحَدِّثَ عن بني إسرائيلَ، وقد جاءَ ذلك صريحاً في قولِه ﷺ:«حَدِّثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرَجَ»(٣)، قالَ مالكُ بن أنسٍ (ت: ١٧٩): «المُرادُ جوازُ التَّحدُّثِ عنهم بما كانَ مِنْ أمرٍ حسَنٍ، أمّا ما عُلمَ كَذِبُه فلا»(٤)، وقالَ الشّافعيُّ (ت: ٢٠٤):
(١) جامع البيان ١٨/ ٤٢١. (٢) جامع البيان ١٨/ ٤٢٢. والحديثُ أخرجه البخاري في صحيحه ٦/ ٢٠ (٤٤٨٥). (٣) أخرجه البخاري في صحيحه ٤/ ١٧٠ (٣٤٦١). (٤) فتح الباري ٦/ ٥٧٥.