«غيرُ موجودٍ في شيءٍ مِنْ كلامِ العربِ أن يُقالَ: علِمتُ كذا. بمعنى: رأَيْتُه. وإنَّما يجوزُ توجيهُ معاني ما في كتابِ الله الذي أنْزلَه على محمدٍ ﷺ مِنْ الكلامِ إلى ما كانَ موجوداً مثلَه في كلامِ العربِ، دون ما لم يكُنْ موجوداً في كلامِها»(١).
والقاعدةُ العامَّةُ عند ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في هذه المراتبِ الخَمسِ: أنَّ كلَّ مرتبةٍ مقدَّمةٌ على ما بعدَها، ما لم يأتِ الدَّليلُ بإرادةِ التّاليةِ دونَها. وقد نصَّ على ذلك في كثيرٍ مِنْ المواضعِ؛ مِنها قَولُه:«غيرَ أنَّ الكلامَ إذا تُنوزِعَ في تأويلِه، فحَمْلُه على الأَغلبِ الأَشهرِ مِنْ معناه أحَقُّ وأَولى مِنْ غَيرِه، ما لم تأتِ حُجَّةٌ مانعةٌ مِنْ ذلك يَجبُ التَّسليمُ لها»(٢)، وقولُه:«توجيهُ معاني كلامِ الله إلى الأشهرِ أَولى، ما لم تَثبُتْ حُجَّةٌ بخلافِه يَجبُ التَّسليمُ لها»(٣)، ووَصفَ الانتقالَ مِنْ الأعلى إلى الأدنى في ذلك ب (الاضْطرارِ)، فقالَ في قولِه تعالى ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣]: «ولم يضْطَرَّنا شيءٌ إلى أن نجعلَ عاصماً في معنى معصومٍ، ولا أن نجعلَ (إلا) بمعنى (لكن)، إذْ كُنّا نجِدُ لذلك في معناه الذي هو معناه في المَشهورِ مِنْ كلامِ العربِ = مَخْرجاً صَحيحاً» (٤).
كما بيَّنَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) نوعَ الحُجَّةِ التي يُصرَفُ بها الكلامُ على ذلك الوَجْهِ، فقالَ: «الواجِبُ أن تُوَجَّه معاني كلامِ الله إلى الأغلبِ