الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر، وهذا محرم أيضًا؛ لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه؛ لأن الندم يكسب النفس حزنًا وانقباضًا، والله يريد منا أن نكون في انشراح وانبساط، قال - صلى الله عليه وسلم -: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِالله وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»(١).
الرابع: أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية، كقول المشركين:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}[الأنعام: ١٤٨]، وقولهم:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}[الزخرف: ٢٠]، وهذا باطل.
الخامس: أن تستعمل في تمني الشر، وسيأتي دليله.
وأما القسم المحمود من استعمالات (لو)، فيأتي على أوجه كذلك، ومنها:
الوجه الأول: أن تستعمل في التمني، وحكمه حسب التمني: إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشر، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة النفر الأربعة قال أحدهم:«لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ»، فهذا تمنى خيرًا، وقال الثاني:«لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ» فهذا تمنى شرًّا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأول:«فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ»، وقال في الثاني:«فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ»(٢).
الوجه الثاني: أن تستعمل في الخير المحض، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ»(٣).
(١) أخرجه مسلم ٤/ ٢٠٥٢ رقم (٢٦٦٤). (٢) أخرجه أحمد ٤/ ٢٣١ رقم (١٨٠٦٠)، والترمذي ٤/ ٥٦٢ رقم (٢٣٢٥). (٣) أخرجه البخاري (٢/ ١٥٩) رقم (١٦٥١).