وَ (لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ) أَيْ: لَنْ يُغَالِبَ، يُقَالُ: شَادَدْتُهُ أَشَادُّهُ: فَاعَلْتُهُ مِنَ الشِّدَّةِ، كَشَارَرْتُهُ أَشَارُّهُ؛ مِنَ الشَّرِّ، وَكَذَا يَكُونُ فِي كِتَابِ البُخَارِيِّ، (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ إِلَّا غَلَبَهُ)، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ (أَحَدٌ).
أَيْ: لَنْ يُشَادَّ أَحَدٌ الدِّينَ إِلَّا غَلَبَهُ، وَقَدْ وَرَدَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ (١).
وَلَوْ رُوِيَ: (لَنْ يُشَادَّ الدِّينُ إِلَّا غَلَبَ) بِلا هَاءٍ لَكَانَ صَحِيحًا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ فَاعِلًا لِيُشَادَّ (٢)، فَيَكُونُ: كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ (٣) مَنْصُوبَي الْمَوْضِعِ.
(فَسَدَّدُوا) أَيْ: الْزَمُوا السَّدَادَ، وَالسَّدَادُ: الصَّوَابُ، وَسَدَّدَ: أَقَامَ عَلَى السَّدَادِ، وَأَسَدَّ: إِذَا جَاءَ بِالسَّدَادِ، كَأَنَّكَ سُدَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي.
وَقَوْلُهُ: (وَقَارِبُوا): لَهُ مَعْنَيَانِ لَطِيفَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: قَارِبُوا في العِبَادَة، وَلَا تَتَشَدَّدُوا وَلَا تُبَاعِدُوا فِيهَا؛ فَإِنَّكُمْ وَإِنْ بَاعَدْتُمْ فِي ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغُوهُ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: سَاعِدُوا، يُقَالُ: قَارَبْتُ فُلانًا إِذَا سَاعَدْتُهُ، أَيْ: لِيُسَاعِدْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الأُمُورِ (٤)، وَالأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَأَلْيَقُ بِالتَّرْجَمَةِ.
(١) قال الحافِظُ ابن حَجَر في فتح الباري (١/ ٩٤): "ثَبَتَ في رِوَايَةِ ابن السَّكَنِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الأَصِيلِي بِلَفْظِ: (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبه)، وَكَذا هُو فِي طُرُقِ هَذا الحَدِيث عِنْد الإسْماعِيلي، وأبي نُعيمٍ، وابن حِبَّان وغَيْرِهم".(٢) في المخْطُوطِ: (يكون ليشاد فاعل)!! ولَعَلَّ الصَّوَابَ ما أثْبَته.(٣) يعني في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ من سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).ويُنْظُر فِي تَوْجِيهِ هَذَا القَوْل: مُشْكِل إِعْرابِ القُرآن لمكِّي بن أبي طالبٍ (١/ ١٤٥)، والبَحْرِ المحيط لأَبي حَيَّان (٢/ ٣٧٤).(٤) نَقَل هَذا الكَلامَ: الكِرْمانيُّ في الكَوَاكِب الدَّراري (١/ ١٦٢)، والعَيْنيُّ في عُمْدة القاري (١/ ٢٣٧) =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute