فجيء به، فسأله عن أمره، فأخبره بقصته، فحبسه في بيت، وحلف بقتله، وأقفل عليه، وترك المفتاح تحت وسادته، ونام، فرقت له جارية، فأخذت المفتاح، وفتحت وأخرجته، ثم أعادت [١] المفتاح إلى موضعه، فلما أصبح الهيصم فتح الباب، فلم يجده فشاع ذلك الخبر، فعبر به أهل تلك الناحية وقالوا: قد رفع.
ثم ظهر في موضع آخر ولقي جماعة من أصحابه فسألوه عن قصته، فقال: ليس يمكن أحدا أن يؤذيني. ثم خاف على نفسه، وخرج إلى الشام، وتسمى باسم الرجل الذي كان في منزله كرميته، ثم خفف فقيل: قرمط، وفشا أمره وأمر أصحابه، وكان قد لقي صاحب الزنج فقال له: أنا على مذهب ورائي مائة ألف سيف، فناظرني، فإن اتفقنا ملت بمن معي إليك، وإن تكن الأخرى انصرفت، فناظره فاختلفا ففارقه.
السادس: أنهم لقبوا بهذا نسبة إلى رجل من دعاتهم يُقَالُ له: حمدان بن قرمط، وكان حمدان هذا [٢] من أهل الكوفة يميل إلى الزهد، فصادفه أحد دعاة الباطنية في [٣] طريق، وهو متوجه إلى قرية، وبين يديه بقر يسوقها، فقال حمدان لذلك الداعي وهو لا يعرفه: أين تقصد؟ فسمى قرية حمدان، فقال له: اركب بقرة من هذه البقر لتستريح من المشي [٤] . فقال: إني لم أؤمر بذلك: قَالَ كأنك لا تعمل إلا بأمر؟ قَالَ: نعم! فقال حمدان: وبأمر من تعمل؟ قَالَ: بأمر مالكي ومالكك، ومالك الدنيا والآخرة، فقال:
ذلك الله عز وجل، قَالَ: صدقت قَالَ: [٥] وما غرضك في هذه البقعة؟ قَالَ: / أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الشقاوة إلى السعادة، وأستنقذهم من ورطات الذل والفقر، وأملكهم مالا يستغنون به من التعب [٦] والكد، فقال له حمدان: أنقذني أنقذك الله، وأفض على من العلم ما تحييني به، فما أشد
[١] في ك: «ثم عادت» . [٢] «هذا» ساقطة من ك. [٣] في الأصل: «القرامطة» . [٤] في الأصل: «لتستريح عليها» . [٥] «قال» ساقطة من ك. [٦] في الأصل: عن التعب» .