بابُ مَسْحِ جميعِ الرَّأْسِ كلِّه، قال الله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} الآية (١).
قال (٢): وقد مسح رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - رأسه في الإقبال والإدبار (٣)، فبيَّنَ فعله - صلّى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا.
مزيد إيضاح:
فإن قيل: فما وجوبُ تعميمه؟
قلنا: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}(٤) فوجب غسل الجميع بظاهر القرآن، كذلك قال أيضًا:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}(٥) فوجب مسح الجميع بظاهر القرآن.
غاية وإيضاحُ مُشْكِلٍ:
فإن قيل: فما فائدة الباء ههنا؟
قلنا: للعلماء في ذلك جوابان:
أحدُهما أنّ نقول: فائدتُها ههنا فائدةُ قوله في التّيمُّم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}(٦) فلو كان مقتضاها التّبعيضُ لأَفَادَتْهُ في هذا الموضعِ، وهذا قاطعٌ بهم في كلِّ جواب لهم.
فإن قيل: ما فائدتها؟ ولأي شيء جيء بها وهي مستغنى عنها، وقد قال بعضُ أصحاب الشّافعيّ - أظنُّه أبا إسحاق الإسفراييني-: إنْ الباء هي للتّبعيض وهو معنى ذلك في اللغة، وأنكر ذلك حُذَّاقُ أهل العربيّة واستجهلوا قائل ذلك، وقالوا: إنّ الباء لاتِّصال الفعل بالاسم حيث لا يتّصل إلّا به، كقولك: جئت بزيد، فالباء في الاتِّصالِ هاهنا أصلٌ، إذ لإيصالِ المعنى في الفعل إلى الاسم، كقولك: مررتُ بزيدِ، فإن حذفتها قلتَ: مررتُ زيدًا.
(١) المائدة: ٦. (٢) لعل القائل هنا هو ابن العربي. (٣) كما هو مروي في حديث الموطَّأ (٣٢) رواية يحيي. (٤) المائدة: ٦. (٥) المائدة: ٦. (٦) النساء: ٤٣.