الأول: أن هذا القول هو الظاهر، لأنه لا يحتاج إلى تقدير محذوف، بخلاف القول الآخر فإنه يحتاج إلى تقدير المفعول الثاني، لأنه غير مذكور في الآية.
الثاني: السياق كما ذكر السمين الحلبي، فإن آخر الآية يؤكد أن فعل الرؤية بمعنى الإبصار فيتعدى إلى مفعول واحد، وبيان ذلك فيما ذكره الأخفش عند هذه الآية، فإنه قال:"قال تعالى: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}، توكيدًا كما تقول:(قد رأيته واللهِ بعيني) و (رأيته عِيانًا) "(١).
الثالث: سبب النزول، فقد "نزلت هذه الآية في قومٍ غابوا عن مشهد بدرٍ فقالوا: (لئن أرانا الله قتالًا ليَريَن ما نصنع، ولنقاتلن)، فأراهم الله القتال عِيانا، وهم ينظرون إليه بأعينهم"(٢).
الرابع: أن الأصل في الرؤية أن تكون بصرية (٣)، وبقاء الشيء على أصله أولى.
[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]
استدل من قال بأن الرؤية في الآية هي الرؤية العلمية بأن الضمير في قوله {رَأَيْتُمُوهُ} يعود للموت، والموت لا يُعاين، فيتعين أن تكون الرؤية علمية (٤).
ويمكن أن يستدل لهذا القول بأنه إذا قلنا بأن الرؤية بصرية، فإن قوله تعالى {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} يكون تأكيدًا، والأولى أن يكون للتأسيس (٥).
(١) معاني القرآن (١/ ٢٣٣ - ٢٣٤)، وسيأتي إشادة السمين الحلبي بقول الأخفش هذا في المسألة الآتية. (٢) النقض على المريسي لأبي سعيد الدارمي (١/ ٢٠٠ - ٢٠٣)، وروى القصة في ذلك، وأصلها عند البخاري (٤/ ١٩/ ٢٨٠٥) ومسلم (٣/ ١٥١٢/ ١٩٠٣) وليس فيها ذكر نزول الآية، ويمكن أن يشهد لها ما رواه الطبري في تفسيره (٧/ ٢٥٠) عن السدي أن بعض الصحابة لم يشهدوا بدرًا فقالوا: اللهم إنا نسألك أن ترينا يومًا كيوم بدرٍ، فرأوا أُحدًا، فقال لهم: {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية، وروي نحوه كما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٧٦). (٣) ينظر في الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٥). (٤) ينظر في شرح مشكل الآثار للطحاوي (١/ ٢٦٠)، (١٤/ ٢٨٧)، وبيانه في المعتصر من المختصر من مشكل الآثار للمَلَطي (١/ ٤٧). (٥) ستأتي الإشارة إلى من ذكر هذه القاعدة عند هذه الآية عند الموازنة بين الأدلة إن شاء الله.