على ذلك (١)، بل أكثر أهل العلم ذكروا بأن المراد النفي، وأن (هل) بمعنى (ما) النافية (٢).
[٢) أدلة القول الأول في المسألة]
يستدل للقول الأول بأن الأصل في الاستفهام أن يكون للاستخبار والاسترشاد، فيبقى الاستفهام على أصله ولا يخرج عنه إلا بدليل ظاهر.
[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]
وهي دليلان:
الأول: أشار إليه السمين الحلبي بالرواية التي ذكرها من قول عبد الله بن أُبي ابن سلول أنه قال على وجه التسخط: "وهل لنا من الأمر شيء"(٣)، وبيَّن السمين الحلبي أن معنى كلامه:(ليس لنا أمرٌ يُطاع)، وسياق القصة يقتضي هذا المعنى، وقد جاء بيان هذا المعنى في رواية أخرى أنه قال:"إنَّا واللهِ ما نُؤامر"(٤)، وهذا ظاهرٌ في أنه ينفي أن يكون لهم من الأمر من شيء.
الثاني: سياق الآية، وذلك في قوله تعالى:{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}، فهم في هذا ينفون أن يكون لهم من الأمر شيء، فدل على أن الاستفهام للنفي، وأيضًا قوله تعالى في الآيات اللاحقة {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْ}[آل عمران: ١٦٨] يشهد بأن المراد (ليس لنا أمرٌ يُطاع)(٥).
[٤) الموازنة بين الأدلة]
النقاش في هذه المسألة مبني على تحديد المراد بـ (الأمر) في الآية، وذلك في قوله:{هَل لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ}، وقوله:{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، وقوله: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ
(١) ذكر الشيخ العثيمين في تفسير آل عمران (٢/ ٣٢٩ – ٣٣٠، ٣٣٧) أن الاستفهام للإنكار وليس للنفي، وقال إنهم أنكروا على الرسول خروجه إلى أُحد، وقالوا: هل نحن روجعنا؟! وهذا الإنكار في الحقيقة يؤول إلى النفي، وقد ذكر ابن هشام في مغني اللبيب (ص: ٤٦٠) وجه الإنكار الذي تختص به (هل) أنه بمعنى النفي. (٢) ينظر في التفسير البسيط للواحدي (٦/ ٩٣)، وتفسير البغوي (١/ ٥٢٥)، وتفسير القرطبي (٤/ ٢٤٢)، وتفسير ابن جزي (١/ ١٦٨)، وفتح القدير للشوكاني (١/ ٤٤٩)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٣٥). (٣) رواها الطبري في تفسيره (٦/ ١٦٧) عن ابن جريج. (٤) رواها ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٩٥) عن الحسن البصري. (٥) ينظر في تفسير الرازي (٩/ ٣٩٥)، وتفسير القرطبي (٤/ ٢٤٢).