قوله:"فاسمَعَه" كأنه على حذفِ النُّون الخَفيفةِ وإرادتِها، والعربُ تتطيَّرُ من الأبرصِ، فلمَّا سَمِعَ النُّعمان ذلك أَمسَكَ عن مواكَلتِهِ. فقالَ الرَّبيعُ: -أبيتَ اللَّعن- إنّ لَبيدًا كذَّابٌ، مُرْ إنسانًا يُفَتِشْ عَنّي، فقالَ النُّعمان:
قَد قِيلَ ذَلِكَ إنْ حَقًّا وإنْ كَذِبا … فما اعتِذَارُك مِن شَيء إذا قِيلا
ونحو ذلك المَثَلُ (١): "إنّ حَسبَكَ من شَرٍّ سَمَاعُه"(٢).
قالَ جارُ اللهِ: ومنه ألَا طعامٌ ولو تمرًا، وآتني بدَابَّةٍ ولو حِمَارًا، وإن شئتَ رَفَعتَ بمعنى ولو يَكونُ تَمرٌ وحِمارٌ.
قالَ المُشَرِّحُ: كانَ هي التَّامّةُ، وهذا من الكَلامِ المُسمَّى بـ (التَّجريدِ)، وعَليه قِراءَةُ من قَرَأ (٣){فإذا انشقتِ السَّماءُ فكَانت وردةٌ كالدِّهان}(٤) أي فَحَصَلتْ سماءٌ وَردةٌ.
قالَ جارُ الله: وادفع الشَّرَّ ولو أُصْبُعًا.
قالَ المُشرِّحُ: ولو كان الدَّفعُ مِقدارَ أُصبُعٍ، والمعنى: وَلَو كانَ الدَّفعُ (٥) قَلِيلًا.
قالَ جارُ اللهِ: ومنه: أمَّا أنت مُنطَلِقًا انطَلَقت، وما مَزِيدةٌ مُعوَّضَةٌ من الفِعلِ المُضمَرِ، ومنه قولُ الهَذليّ (٦):
أَبا خُراشَةَ أمَّا أنتَ ذا نَفَرٍ
(١) جمهرة الأمثال: ١/ ٣٤٤، ٢/ ٢٦٥، والمستقصى: ٢/ ٦٢. (٢): ديوان لبيد: ٣٤٠ - ٣٤٣ فيه القصة والأبيات وهي تنقص بعض الأبيات عن ما ثبت في ديوانه وقد وردت القصة مجملة فيكثير من شروح المفصّل وشروح أبياته. (٣) (٤) سورة الرحمن: آية: ٣٧. (٥) في (أ). (٦) ليس للهذلي، وإنما هو للعّباس بن مرداس السّلمي. تقدم ذكره انظر ديوانه: ١٢٨ وأبو خراشة =